تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقال معاوية: أما عمرو بن الأسود فقد تبرأ إلينا من دمائهم، ورمى بها ما بين عيني معاوية. ثم قام المنادي فنادى: أين أبومسلم الخولاني، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فلا والله ما أبغضناك منذ أحببناك، ولا عصيناك منذ أطعناك، ولا فارقناك منذ جامعناك، ولا نكثنا بيعتنا منذ بايعناك، سيوفنا على عواتقنا، إن أمرتنا أطعناك، وإن دعوتنا أجبناك وإن سبقناك نظرناك، ثم جلس.

ثم قام المنادي فقال: أين عبد الله بن مِخْمَر الشرعبي، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: وقولك يا أمير المؤمنين في هذه العصابة من أهل العراق، إن تعاقبهم فقد أصبت، وإن تعفو فقد أحسنت.

فقام المنادي فنادى: أين عبد الله بن أسد القسري، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين، رعيتك وولايتك وأهل طاعتك، إن تعاقبهم فقد جنوا أنفسهم العقوبة، وإن تعفوا فإن العفو أقرب للتقوى، يا أمير المؤمنين لا تطع فينا من كان غشوماً ظلوماً بالليل نؤوماً، عن عمل الآخرة سؤوماً. يا أمير المؤمنين إن الدنيا قد انخشعت أوتارها، ومالت بها عمادها وأحبها أصحابها، واقترب منها ميعادها ثم جلس. فقلت – القائل هو: اسماعيل بن عياش – لشرحبيل: فكيف صنع؟ قال: قتل بعضاً واستحيى بعضاً، وكان فيمن قتل حجر بن عدي بن الأدبر. انظر الرواية في مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح (2/ 328 – 331).

ومما يجدر التذكير به في هذا المقام أن معاوية رضي الله عنه لم يكن ليقضي بقتل حجر بن عدي رضي الله عنه لو أن حجراً اقتصر في معارضته على الأقوال فقط ولم ينتقل إلى الأفعال .. حيث أنه ألّب على عامله بالعراق، وحصبه وهو على المنبر، وخلع البيعة لمعاوية وهو آنذاك أمير المؤمنين .. ولكن حجراً رضي الله عنه زين له شيعة الكوفة هذه المعارضة، فأوردوه حياض الموت بخذلانهم إيام .. ولا ننسى موقف شيعة الكوفة مع الحسين رضي الله عنه، حين زينوا له الخروج ثم خذلوه كما خذلوا حجراً من قبله، فإنا لله وإنا إليه راجعون ..

وقد اعتمد معاوية رضي الله عنه في قضائه هذا بقتل حجر بن عدي، على قوله صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه). صحيح مسلم بشرح النووي (12/ 242).

وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه ستكون هنات – أي فتن – وهنات، فمن أراد أن يفرق أمره هذه الأمة وهي جميع، فاضربوا بالسيف كائناً من كان). صحيح مسلم بشرح النووي (12/ 241).

ولو سلمنا أن معاوية أخطأ في قتل حجر؛ فإن هذا لا مطعن فيه عليه، كيف وقد سبق هذا الخطأ في القتل من اثنين من خيار الصحابة؛ هما: خالد بن الوليد وأسامة بن زيد رضي الله عنهما.

أما قصة خالد بن الوليد رضي الله عنه مع بني جذيمة، وقولهم صبأنا بدلاً من أسلمنا، فرواها البخاري في صحيحه برقم (4339) من حديث عبد الله بن عمر .. وقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) ..

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/ 194): وقال الخطابي: الحكمة من تَبرُّئه صلى الله عليه وسلم من فعل خالد مع كونه لم يعاقبه على ذلك لكونه مجتهداً، أن يعرف أنه لم يأذن له في ذلك خشية أن يعتقد أحد أنه كان بإذنه، ولينزجر غير خالد بعد ذلك عن مثل فعله .. ثم قال: والذي يظهر أن التبرأ من الفعل لا يستلزم إثم فاعله ولا إلزامه الغرامه، فإن إثم المخطئ مرفوع وإن كان فعله ليس بمحمود.

وقصة أسامة بن زيد رضي الله عنه مع الرجل الذي نطق بالشهادتين، وقتل أسامه له بعد نطقها، في الصحيحين البخاري برقم (4269، 6872) ومسلم برقم (96) .. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟) .. الحديث.

وكل ما جرى من أسامة وخالد ناتج عن اجتهاد لا عن هوى وعصبية وظلم ..

وقبل أن ننتقل إلى شبهة أخرى من شبهات حول معاوية رضي الله عنه، أذكر موقف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من مقتل حجر رضي الله عنه ..

أخرج ابن عساكر في تاريخه (12/ 230) بسنده إلى ابن أبي مليكة قال: إن معاوية جاء يستأذن على عائشة، فأبت أن تأذن له، فخرج غلام لها يقال له ذكوان قال: ويحك أدخلني على عائشة فإنها قد غضبت علي، فلم يزل بها غلامها حتى أذنت له، وكان أطوع مني عندها، فلما دخل عليها قال: أمتاه فيما وجدت عليّ يرحمك الله؟ قالت: .. وجدت عليك في شأن حجر وأصحابه أنك قتلتهم. فقال لها: .. وأما حجر وأصحابه فإني تخوفت أمراً وخشيت فتنة تكون، تهراق فيها الدماء، وتستحل فيها المحارم، وأنت تخافيني، دعيني والله يفعل بي ما يشاء. قالت: تركتك والله، تركتك والله، تركتك والله.

وبالإسناد نفسه أخرج ابن عساكر في تاريخيه (12/ 229): لما قدم معاوية دخل على عائشة، فقالت: أقتلت حجراً؟ قال: يا أم المؤمنين، إني وجدت قتل رجل في صلاح الناس خير من استحيائه في فسادهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير