وقال أبو بكر ابن النقور في الجزء الأول من الفوائد الحسان [1/ 133]، كما في الصحيحة [رقم/ 535]: « .... وقيل: إن هذا وهم من الثوري .... ». وقبل ذلك رواه من طريق الدراوردي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن أبي بكر باللفظ المتقدم -أول التخريج- به مرفوعًا ثم قال: «واختلف عن زيد - يعني ابن أسلم- فرواه هشام بن سعد ومحمد بن عجلان وداود بن قيس وعبد اللَّه بن عمر العمري كرواية عبد العزيز التي رويناها .... ».
قلتُ: ففهم الإمام في الصحيحة [رقم 535] أن هؤلاء المذكورين جميعهم قد تابعوا الدراوردي على لفظه المرفوع!! فقال - يرحمه اللَّه-: «قلتُ: فالحديث صحيح الإسناد على شرط البخاري!! فإن الدراوردي ثقة!! وإن كان من أفراد مسلم، فقد تابعه الجماعة الذين ذكرهم ابن النقور!! ... ».
قلت: وهذا ما كان أصلاً!! ولن يكون!! ولو كان الإمام - يرحمه اللَّه- تتبع طرق هؤلاء المذكورين - وقد مضت- لأدرك أن هؤلاء ما وافقوا الدراوردي على رفعه البتة بذلك اللفظ المعهود!!
بل ما وافقوه إلا في إسناده عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن أبي بكر به موقوفًا بلفظ: «هذا الذي أوردني الموارد .... »، وهذا هو الذي لا يُفهم من كلام ابن النقور سواه؟!
أما سائره المرفوع فمرسل ليس فيه خير!!
ثم قال الإمام: « .... فالحديث عن زيد بن أسلم صحيح مشهور .. »
قلتُ: نعم ولكن موقوفًا عن أبيه عن عمر عن أبي بكر كما مضى شرحه ...
وأما المرفوع: فهو من مرسل زيد بن أسلم، كما بيَّن ذلك عبد الله بن عمران العابدي في روايته عن الدراودي عن زيد بن أسلم كما مضى.
وقد جزم الحافظ البزار في مسنده «المعلَّل» [1/ 161/البحر الزخار] بكون الوجه المرفوع منكرًا؛ فلهذا لم يُسْنده في كتابه وإنما علَّقه ... كذا قال.
وقد وجدت للموقوف عن أبي بكر: طريقًا آخر يرويه النضر بن إسماعيل عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال: «رأيت أبا بكر ? آخذا بطرف لسانه وهو يقول: هذا أوردني الموارد». أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت [رقم/19]، ومن طريقه زين الدين ابن الشماع الحلبي في «ثَبَتِ شيوخه/الأول منه»، وأحمد في العلل [2/ 132،269/رواية عبد الله]، ومن طريقه العقيلي في الضعفاء [4/ 290]، من طرق عن النضر بن إسماعيل به ...
قلتُ: وهذا إسناد منكر! والنضر هذا قد ضعفوه وتكلموا فيه! وانفرد العجلي بتوثيقه! ولم يلتفت أحد إلى هذا التوثيق! ثم وجدتُ بعضهم قد مشَّاه أيضًا!
والصواب أنه شيخ ضعيف، ولا يحتمل لمثل هذا النضر التفرد عن مثل إسماعيل بن أبي خالد أصلا!
وقد أنكر عليه الإمام أحمد هذه الرواية من هذا الطريق!
فقال عبد الله بن أحمد قال في العلل [3/ 297]، ومن طريقه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل [8/ 474]، و العقيلي في الضعفاء [4/ 290]: «سألت أبي عن النضر بن إسماعيل أبي المغيرة القاص؟ قال: لم يكن يحفظ الإسناد، روى عنه إسماعيل حديثا منكرا عن قيس " رأيت أبا بكر أخذ بلسانه " ونحن نروي عنه، وإنما هذا حديث زيد بن أسلم».
وهذا النص: نقله البخاري في تاريخه [8/ 90]، ومن طريقه ابن عدي في الكامل [9/ 26]، عن الإمام أحمد، في ترجمة «النضر بن إسماعيل القاص».
وقد رأيتُ صاحب «الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات» قد ذكر رواية النضر هذه [ص/339 - 340]، وتكلم عليها بكلام حسن يشرح فيه عبارة الإمام أحمد الماضية.
ومن كلامه هناك: «فقول الإمام أحمد: " روى حديثاً منكراً "، بعد قوله " لم يكن يحفظ الإسناد "؛ يدل على أن النكارة هاهنا متعلقة بالإسناد، لا بالمتن.
ثم قوله: " إنما هذا حديث زيد بن أسلم "، يشير إلى أن أبا المغيرة القاص دخل عليه حديث في حديث، وأن الحديث هو كما يرويه زيد بن أسلم، لا كما قال أبو المغيرة هذا، وعليه؛ فلا اعتبار بإسناد أبي المغيرة هذا؛ لأنه إسناد خطأ منكر، لا علاقة له بهذا المتن ... » راجع كلامه.
لكني وجدتُ الدارقطني: قد قال في علله [1/ 161]: « ... ورُوِيَ هذا الحديث عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر ولا علة له! تفرد به النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاص عن إسماعيل بن أبي خالد عنه».
والتحقيق: ما قاله الإمام أحمد، وما يحتمل هذا للنضر بن إسماعيل أصلا! وقد كان الدارقطني حسن القول فيه! قال عنه: «كوفي صالح» كما في سؤالات البرقاني له [رقم/520]. وهذا الذي دعاه إلا أنه يقول عن خبر النضر هنا: «لا علة له»! وقد عرفتَ أنه معلول حتى النخاع!
[تنبيه] قد تحرَّف «النضر بن إسماعيل» عند ابن أبي الدنيا في الصمت «طبعة دار الكتاب العربي، وطبعة مؤسسة الكتب الثقافية» إلى «النضر بن أبي إسماعيل»! فانتبه أيها المسترشد. وباللَّه التوفيق.
انتهى بحروفه من: (رحمات الملأ الأعلى بتخريج مسند أبي يعلى) [رقم/5].