الفائدة السابعة: (عظم الإسناد) فإنه لا يوجد عند أمة من الأمم شيء اسمه الإسناد إلا هذه الأمة فهو مزية وخصيصة لها، حتى قال ابن حزم: نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاتصال خص الله به المسلمين دون سائر الملل. وروي أنَّ الزهري حدّث يوما حديثا بإسناد، فقال له سفيان بن عيينة: يا إمام هاتِهِ .. بلا إسناد، فقال الزهري: أترقى السطح بلا سُلّم؟!.
الفائدة الثامنة: زعم بعضهم أن المحدثين لم يراعوا العقل, ولكن المحدثين راعوا العقل في مواطن عديدة من أبرزهاأربع مواطن:
الأول: عند سماع الأسانيد والمتون.
الثاني: عند التحديث بها.
الثالث: عند الحكم على الحديث.
الرابع: عند الحكم على الرواة.
ومن أفضل من بَّين هذا الإمام المُعَلِّمي رحمه الله في الأنوار الكاشفة، وضّح هذا وجلاه بأسلوب رائع جدا، وهذا الكتاب أنا أنصح باقتنائه وقراءته.
والميزان ثابت عندنا نحن المسلمون في قضية ضبط مسألة العقل وهو [اتباع الكتاب والسنة] فهذا هو الميزان. والمراد بالعقل "المعنى الحقيقي" لا ضدّه "النقل". وتبيين ذلك قصة مع البخاري –رحمه الله-:
أنه حضر عند شيخه الداخلي، فقال الداخلي يوما وكان يقرأ على الناس: روى سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، فقال له البخاري: يا شيخ! أبو الزبير لم يرو عن إبراهيم، يقول: فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، [فانظر إلى البخاري في صغر سنه، ما اعترف بهذا الشيء ففكر واستخدم العقل فقال له: إن هذا خطأ وما سلّم به] فدخل الشيخ إلى غرفته وتأكد من ذلك, ثم خرج فقال: يا غلام كيف هو الحديث؟ فقال البخاري: هو الزبير بن عديّ عن إبراهيم، فأخذ القلم منّي وأحكم كتابه وقال: صدقت، فقال بعض الناس لما حدّث البخاري هذا: ابن كم كنت إذ رددت على شيخك؟ قال: كنت ابن إحدى عشرة سنة. (ذكرها المعلّمي).
الفائدة التاسعة: الواجب على العامي أن يسأل من يراه أوثق في دينه وورعه وعلمه من العلماء، كما إذا أصبت بمرض، ألا تبحث عن أمهر الأطباء. فالعاميّ مقلّد إلا في مسألة البحث عن المفتي –مجتهد-.
الفائدة العاشرة: الكلام في الشريعة وبيان حكمها واستنباطها وتمييز ضعيفها من صحيحها ليس من قبيل الثقافة العامة, هي مسألة علمية تتعلق بدين الله عز وجل، لا يجوز أن يتكلم أحد بدين الله عز وجل إلا بعلم. قال ابن حزم: لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويظنون أنهم مصلحون.
الفائدة الحادية عشر: مما ابتليت به الأمة نشوء بعض الطلبة للكلام في الشريعة, ولا بد لطالب العلم من مقدمات أن يتقنها ويتعرّف عليها لكي يحق له أن يتكلم في العلوم الشرعية.
الفائدة الثانية عشر:ينصح طالب الحديث بحفظ البيقونية فهي منظومة أربع وثلاثين بيت، حوت جميع مصطلحات الحديث، وهي سهلة الحفظ، فإذا حفظها طالب العلم مع شرحها فإنه يعد قد قطع شوطا, فيدرس أصول الأسانيد وكيفية التخريج.
الفائدة الثالثة عشر: (التدرج في طلب العلم) على طالب العلم التدرّج مرحلة مرحلة، وعدم تفطن طالب العلم لهذا التدرج ربما يكون من معوقات طلب العلم, وعلّق الإمام البخاري في صحيحه في بيان قوله تعالى: (كونوا ربانيين)، فقال البخاري: ويُقال الرباني الذي يُربي الناس بصِغار العلم قبل كِباره. قال عبد الرحمن ابن أبي حاتم (327هـ): لم يدعني أبي أطلب العلم حتى حفظت القرآن.
قال الحافظ ابن حجر: وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلا حُبِّب إلى من يدخل فيه وتلقاه بانبساط وكانت عاقبته غالبا الازدياد بخلاف ضده.
الفائدة الرابعة عشر: يجب التنبيه على أهمية التطبيق العملي في علم الحديث فمن أراد إتقان علم الحديث لا بد له من الممارسة العلمية والتبكير في ذلك من أسباب الخلل عند طلبة العلم بالذات المتخصصين في الحديث هو عدم الممارسة العملية، فربما تحفظ كتب وربما تحفظ منظومات ولكن إن لم تطبق عمليا بحيث تتضح لك المشكلات ربما لا تُتقن الحديث.
الفائدة الخامسة عشر: من الطرق الموصلة إلى الجنة (طريق العلم) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله به طريقا إلى الجنة" وطالب العلم الجاد يحس بلذة عظيمة في طلب العلم لا يجدها أهل الشهوات في شهواتهم, يقول ابن الجوزي: ولقد كنت في حلاوة طلب العلم ألقى من الشدائد ما هو أحلى عندي من العسل في سبيل ما أطلب وأرجوا وكنت في زمن الصبا آخذ معي أرغفة يابسة] ثم أذهب به في طلب الحديث وأقعد في بغداد عند نهر عيسى ثم آكل هذا الرغيف وأغمس فيه الماء , فكلما أكلت لقمة شربت عليها وعَيْن هِمّتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم. قال بعض السلف: إنه ليمرّ بقلبي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيشٍ طيب. وقال بعضهم: إن في الدنيا جنة هي في الدنيا كالجنة في الآخرة، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.
¥