وفي موطن آخر من الضعيفة (وكل ذلك إنما يقع من الجهل بهذا العلم الشريف أو إهمال التحقيق فيه! وإلا؛ فهل يخفى على المحقق الناظر في هذا السند أنه لا يصح، وذلك من ناحيتين:
الأولى: عنعنة ابن إسحاق؛ فإنه مدلس مشهور بذلك.
والأخرى: جهالة عطاء مولى أم صبية؛ فإن الذهبي نفسه قد أورده في " الميزان " وقال: " لا يعرف، تفرد عنه المقبري ". ونحوه قول الحافظ في " التقريب ":
" مقبول ". يعني: عند المتابعة؟!
وقد وجدت له متابعا على بعضه - بسند لا بأس به - خرجته في " الصحيحة " (2733)، ولم أذكره هنا؛ لأنه ليس فيه موضع الشاهد منه، وهو قول أبي هريرة:
إن رأيتموه؛ فقولوا: أبو هريرة يُقْرِئُك السلام.
وبالجملة؛ فهذه الطرق الأربعة عن أبي هريرة - وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف؛ فإن - مجموعها يعطي لما اتفقت عليه من متونها قوة وصحة لا ريب فيها، فهي صالحة لترجيح أن حديث الترجمة موقوف غير مرفوع، وقد خفي هذا التحقيق على الغماري، فاغتر في كتابيه المشار إليهما اَنفأ (ص 34، 93) بقول الهيثمي: " رجال إسناده رجال (الصحيح)!
فأورد الحديث في " كنزه (1179)؛ مع أنه قد صرح في مقدمته (ص ن) أنه لا يكفي في صحة الحديث أو حسنه مجرد ثقة رجاله؛ بل لا بد أن يكون سالماً من النكارة والشذوذ والمخالفة كما هو مبين في علم الحديث! وهذا حق؛ لكنه لم يلتزمه في هذا الكتاب ولا في غيره إلا ما ندر، كما يتبين لكل ذي بصيرة من هذا الحديث وغيره مما تقدم وما قد يأتي.
وأما الشيخ الكشميري؛ فقد تنبه لشيء من ذلك؛ فقال (ص 180) - بعد أن ذكر الحديث من الطريقين موقوفاً ومرفوعاً -:
" ومن أمعن النظر في أحاديث الباب؛ علم أن الإيصاء بإبلاغ السلام وقراءته على عيسى ابن مريم عليه السلام صحيح مرفوعا وموقوفاً.
وأما الجملة من قوله: " إني لأرجو إن طال بي عمر أن ألقى عيسى ابن مريم عليه السلام ". فالنظر في أحاديث الباب يحكم بأنها موقوفة لا مرفوعة ".
قلت: وفيما ادعاه من صحة الإيصاء مرفوعا نظر عندي؛ لأنه - أعني:
الإيصاء - لم يرد في شيء من الأحاديث التي ساقها في كتابه، وقد بلغ عددها خمسةً وسبعين حديثاً، وزاد عليها المعلق أبو غدة عشرة أخرى، فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، وفيه ما سكت عنه ولم يبين حاله! أقول: في هذه الأحاديث كلها لم يرد الإيصاء إلا في حديثين اثنين (*):
حديث الترجمة أحدهما، وقد عرفت أنه ضعيف؛ لشذوذه.
والآخر: الحديث (67)، وهو عن أبي هريرة أيضاً في قَتْلِ عيسى الدجالَ
وكَسْرِهِ الصليبَ. . . وفيه:
" ألا من أدركه منكم؛ فليقرأ عليه السلام ".
قال: " أخرجه الطبراني؛ كما في " الدر المنثور "،:
فذكر المعلق عليه أن الهيثمي أورده في " المجمع " (8/ 255) من رواية الطبراني في " الأوسط " و " الصغير " وقال:
" وفي سنده محمد بن عقبة السدوسي؛ وثقه ابن حبان، وضعفه أبو حاتم ".
قال أبو غدة: " وقال شيخنا الغماري في " عقيدة أهل الإسلام (ص 93): إسناده حسن "!
قلت: كذا قال الغماري في الكتاب المذكور، وما أحسن! وأما في كتابه الآخر " إقامة البرهان " (ص 34)؛ فلم يحسنه، وإنما ساق إسناد الطبراني فيه، فأحسن، وإنما نقل إعلال الهيثمي إياه بالسدوسي، وهو وإن كان كافياً في تضعيف الحديث عند أهل المعرفة؛ لما هو معلوم من تساهل ابن حبان في التوثيق من جهة؛ ولأن أبا حاتم قال في السدوسي:
" تركت حديثه ".
فهو عنده شديد الضعف؛ فهذا الجرح مقدم على توثيق ابن حبان؛ لأنه جرح مفسر، ولو فرض أن ابن حبان غير متساهل في التوفيق من جهة أخرى.
أقول: فهذا يكفي في تضعيف الحديث ورد تحسينه لمن تجرد عن التقليد،فكيف إذا عرف أن إعلال الهيثمي قاصر؛ لأن شيخ السدوسي في الإسناد - وهو محمد بن عثمان بن سيار القرشي - مجهول؛ كما قال الدارقطني، وقد كنت بينت هذا في " الروض النضير في ترتيب وتخريج معجم الطبراني الصغير " قبل نحو نصف قرن من الزمان، فأعلنت الحديث بهاتين العلتين: السدوسي والقرشي، والله تعالى ولي التوفيق، وهو الهادي.
لست إلا ناقل من الشاملة وفق الله الجميع
ـ[أبو جاد التونسي السلفي المهاجر]ــــــــ[22 - 08 - 10, 12:45 م]ـ
مشاء الله رحم الله العلامة الألباني و إياك أخي.
ـ[أبو صاعد المصري]ــــــــ[22 - 08 - 10, 04:02 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الحافظ أبو يعلى الخليلي في كتاب الإرشاد له:
مالك الدار: مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه تابعي قديم متفق عليه أثنى عليه التابعون و ليس بكثير الرواية روى عن أبي بكر الصديق و عمر بن الخطاب.
ثم ذكر الخليلي سبب تسميته بمالك الدار.
ثم قال الخليلي: حدثنا محمد بن الحسن بن الفتح حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثنا أبو خيثمة حدثنا محمد بن خازم الضرير حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار قال:
أصاب الناس قحط في زمان عمر بن الخطاب فجاء رجل إلى قبر النبي - صلى الله عليه و سلم - فقال: يا نبي الله استسق الله لأمتك فرأى النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فقال: ائت عمر فأفرئه السلام و قل له إنكم مسقون فعليك بالكيس الكيس قال: فبكى عمر و قال: يا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه. اهـ
قال الخليلي: يقال إن أبا صالح سمع مالك الدار هذا الحديث و الباقون أرسلوه. اهـ من كتاب الإرشاد
قلت: لم أر - على كثرة ما قرأت في هذ الموضوع - من ذكر كلام أبي يعلى هذا - و هو كنز للمجيزين كالغماري و أضرابه كما يبدو للوهلة الأولى - و لا من المانعين كالشيخ الألباني و غيره.
حبذا التعليق من الأخوة الكرام و الحمد لله رب العالمين
أخوكم / أبو صاعد المصري
¥