أما من جهة الرواية: فهذا الحديث يرويه أبو هريرة _رضي الله عنه_ ويرويه عنه جماعات كثيرة، لكن هذا اللفظ رواه محمد ابن زياد عن أبي هريرة، ورواه عن محمد ابن زياد شعبة بن الحجاج والربيع بن مسلم والحسين بن واقد، هؤلاء الثلاثة رووا هذا الحديث بمناسبته وهو:عندما قال النبي ?: (يا أيها الناس إن الله فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت. فأعاد الرجل الكلام، فقال: أكل عام؟ فسكت، فأعاد الكلام قال: أكل عام؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك الذين كانوا من قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)
إذن هؤلاء الرواة رووا الحديث عن محمد بن زياد عن أبي هريرة بهذا، ورواه أيضا حماد بن سَلمة مثلهم، عن محمد بن زياد بهذا اللفظ إلى كلمة (فاجتنبوه) لا يوجد ما استطعتم هذه، حماد بن سلمة رواه كذلك ورواه عن حماد بهذا السياق دون ذكر الاستطاعة في النهي، رواه وكيع بن الجراح، رواه يونس ابن محمد المؤدِب، رواه عبد الرحمن بن مهدي، أما علي بن عثمان اللاحقي فخالف هؤلاء الثلاثة، فرواه عن حماد بن سلمة فذكر (الاستطاعة في النهي).
إذن علي بن عثمان اللاحقي هو الذي زاد هذه اللفظة:ووهم على حماد بن سلمة فيها، فليس هناك في أي طرق من طرق الحديث التي وقفت عليها وكنت جمعت طرق الحديث قديما منذ أكثر من عشر سنوات، وأنا لازلت أذكر أن علي بن عثمان اللاحقي هو الذي تفرد بذكر الاستطاعة في النهي (وما نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ما استطعتم) قلت لكم: ذكر الاستطاعة في النهي منكرة أو باطلة، هذا من جهة الرواية،علي بن عثمان اللاحقي، نعم وثقه أبو حاتم الرازي، ولكن قال ابن خِراش أنه مختلف فيه، فمثله ترد زيادته إذا خالف الأئمة الكرام لا سيما كانوا كأمثال الوكيع بن الجراح وأمثال يونس بن محمد المؤدِب وأمثال عبد الرحمن بن مهدي وهؤلاء الثلاثة من شيوخ الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
من جهة المعنى:، هذه الزيادة باطلة أيضا، لأنه لا يكون العبد ممتثلاً للنهي إلا إذا انتهى بالكلية وعلى الفور ,يعني اليوم مثلا: في صلاة الفريضة النبي ? يقول (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلي جنب) هذه تشمل الفريضة وتشمل النافلة ,إذن الاستطاعة، في ترقي (إذا أمرتكم به من شيء فأتوا منه ما استطعتم) أمرنا النبي ? في صلاة الفريضة أن نصلي قياماً، والقيام ركن، فإذا كان العبد مطيقا للقيام وصلى قاعداً بطلت صلاته ,لو عجز العبد فعلاً عجزاً حقيقاً أن يصلي قائماً فقال عليه الصلاة والسلام (فإن لم تستطع فقاعداً)، ولو لا يستطيع قاعداً قال (فعلى جنب) إذن هنا تحقق فيه قول النبي ?: (إذا أمرتكم به من شيء فأتوا منه ما استطعتم) سواء كان كما قلت فرضاً أو كان نفلاً.
مثال: رجل يشرب الخمر والخمر حرام، فقلت له الخمر حرام، فقال لي: هذه الزجاجة سوف أشرب منها فقط شربتين وهذا الذي أستطيعه! فهل يُقبل؟ طبعا لا لا يكون ممتثلاً حتى يترك الخمر كلها لو شرب رشفة واحدة منها كان عاصياً ,فكذلك نقول النهي لا يكون العبد ممتثلا أبدا للنهي إلا إذا انتهى بالكلية، ولذلك ذكر النبي ? الاستطاعة في الأمر دون النهي. (إذن نخلص من هذا البحث إلى أن ذكر الاستطاعة في النهي منكرة أو باطلة).
ويقول نفس السائل أنه يريد أن يجلي معناه لأنني سمعت بعض الناس يقول: إذا استطعت ألا أصلي فلا جناح علي!!
لا طبعاً المسألة ليست كذلك، يعني إذا كان بعض الناس يتذرع بهذا الحديث إلى أن يترك المأمور به لأي عارض لا يُعد عذراً شرعياً، فهذا الحديث ليس حجة له بطبيعة الحال مثال: فرد يعمل في أي جهة عمل كورشة أو ما إلى ذلك، وأذن عليه المؤذن، هل يقول عذراً أنا مشغول وأريد أن أنهي هذا العمل ولا يهم الصلاة وأنا لا أستطيع؟!
طبعاً بداهة لا أحد مطلقاً يفهم الحديث هذا الفهم، إنما القصد أن يبادر المرء إلى فعل ما أُمر به فإن عجز فله الرخصة، وهذا هو الكلام السائر المتداول بين أهل العلم في كتبهم، ولكن ما يقوله هذا أنه يريد أن يتفلت من الأوامر والنواهي، فهذا طبعاً خارج تماماً عن فهم أي أحد من أهل العلم.
ـ[محسن جمال عسكر]ــــــــ[30 - 09 - 10, 04:01 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[أبو الهمام البرقاوي]ــــــــ[30 - 09 - 10, 04:06 ص]ـ
سبحان الله!!
نفس الشيخ واضح أنه يميل لمنهج المتقدمين، أطال الله عمره وبقاءه.
وبالنسبة للقاعدة فقد ذكرها الذهبي " تفرد الصدوق يعتبر منكرا ً "!
وماذا حصل بالنسبة للتفريغ؟!
ـ[أبو مسلم الفلسطيني]ــــــــ[30 - 09 - 10, 08:05 ص]ـ
منهجية الشيخ أبي إسحاق في إعلال الأحاديث هي منهجيةٌ طيبة.
ولا يخفى عليكم وفقكم الله تعالى البراعة في إعلالها جزاه الله خيراً وشافاه من سقمه. وفقك الله أختنا.
¥