(1/ ق 44/ 1)، والطحاوي (1/ 515) عن حماد بن سلمة.
وأحمد (6/ 40، 45، 118) عن ابن عيينة وأبي معاوية وعبد الرحمن بن مهدي ـ فرقها ـ، والبيهقي (3/ 399) عن أنس ابن عياض، كلهم عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة.
وفي رواية حماد بن سلمة: "فمات أبو بكر t ليلة الثلاثاء، فدفن ليلاً".
ومنها: حديث عائشة رضي الله عنها أيضاً قال:" دفن علي بن أبي طالب فاطمة رضي الله عنها ليلاً." أخرجه الطحاوي (1/ 514) عن معمر بن راشد وعقيل بن خالد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. وإسناده صحيح.
قال الطحاوي: (فهذا عليٌّ t لم يرَ بالدفن في الليل بأساً، ولم ينكر ذلك أبو بكر ولا عمر رضي الله عنهما، ولا أحد من أصحاب رسول الله r ).
* قلت أي الشيخ أبي إسحاق حفظه الله: فهذه الأحاديث والآثار قاضية بجواز الدفن ليلاً مطلقاً ولكن توقف بعض أهل العلم في هذا الإطلاق وقيدوه بالضرورة، واحتجوا بما رواه
ابن الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث، أن النبي rخطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قُبِض فكُفِن في كفن غير طائل، وقُبِرَ ليلاً،
فزجر النبي r أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يُضطر إنسان إلى ذلك. وقال النبي r : " إذا كفن أحدُكم أخاه فليُحسِّن كفنه".
أخرجه مسلم (943/ 49)، وأبو عوانة في المستخرج، ـ كما في
"إتحاف المهرة" (3/ 468) ـ والنسائي (4/ 33، 82) وابن الجارود في "المنتقى" (546)، وابن حسان (3103)، والبيهقي (3/ 403)، عن حجاج بن محمد المصيصي، وأبو داود (3148)، وأحمد (3/ 295)، وأبو عوانة في "المستخرج" ـ كما في الإتحاف (3/ 468) ـ والحاكم في "المستدرك" (1/ 368 - 369)، والبيهقي (3/ 403) عن عبد الرزاق، وهو في "المصنف" (6549) قالا: ثنا ابن جريج قال: أخبرنا أبو الزبير بهذا.
قال القاضي عياض في الإكمال (3/ 399): واختلف في تأويل نهيه ـ r ـ فقيل: للعلة التي ذكرت من قوله: "حتى يصلى عليه"، يعني: لئلا يفوته صلاته عليه هو ـ r ـ وصلاة الكثير من المسلمين وجماعتهم، لتناله بركة صلاته ـ r ـ ودعاء المسلمين وصالحيهم، بخلاف دفن الليل الذي إنما يحضره الخصوص والآحاد، وقيل: بل للعلة الأخرى المذكورة في الحديث، لقوله: "فكفن في كفن غير طائل"، وأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل لتُستَر إساءة الكفن، فنهى النبي r عن ذلك لهذه العلة، ويدل عليه قوله آخر الحديث: "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه" قال القاضي: العلتان بينتان في الحديث، والظاهر أن النبي r فصدهما جميعاً وعلل بهما، وقد قيل هذا، وتحسين الكفن مأمور به، وليس المراد به السرف فيه،
ولكن نظافته ونقاؤه، وكثافته، وستره، وتوسطه، وكونه من جنس لباسه في حياته غالباً، وهو الذي يقضى به عندنا على الورثة إذا تشاجروا
في ذلك". انتهى.
* وقلت: وسبقه إلى مثل هذا الطحاوي في (شرح المعاني)
(1/ 513 - 514) فذكر العلتين جميعاً.
ونظر في هذه المسألة شيخنا أبو عبد الرحمن الألباني رحمه الله تعالى في كتابه الماتع (أحكام الجنائز) (ص 177 - 179) فقال:
"والحديث ـ يعني الذي رواه مسلم آنفاً ـ ظاهر الدلالة على ما ذكرنا، وهو مذهب أحمد رحمه الله في رواية عنه ذكرها في "الإنصاف" (2/ 547) قال: "لا يفعله إلا لضرورة، وفي أخرى عنه: يكره".
* قلت: والأول أقرب لظاهر قوله: (زجر) فإنه أبلغ في النهي من لفظ "نهى" الذي يمكن حمله على الكراهة، على أن الأصل فيه التحريم، ولا صارف له إلى الكراهة، لكن يشكل ما ذكرنا قوله في الحديث: "حتى يصلى عليه"، فإنه يدل بظاهره أيضاً على جواز الدفن ليلاً بعد الصلاة، لأنها هي الغاية من النهي، فإذا حصلت ارتفع النهي، لكن يرد عليه قوله: "إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك" فإن اسم الإشارة فيه يعود إلى المنهي عنه وهو الدفن ليلاً لأسباب كثيرة كما سيأتي عن ابن حزم، ولكننا لا نتصور في وجه من الوجوه أن يضطروا لدفنه دون أن يصلوا عليه، ومما يزيده بعداً أن هذا المعنى يجعل قيد (الليل) عديم الفائدة، إذ الدفن قبل الصلاة، كما لا يجوز ليلاً، فكذلك لا يجوز نهاراً، فإن جاز ليلاً لضرورة جاز نهاراً من أجلها ولا فرق، فما فائدة التقييد بـ (الليل) حينئذٍ؟ لا شك أن الفائدة لا تظهر بصورة قوية إلا إذا رجحنا ما استظهرناه أولاً من عدم جواز الدفن ليلاً، وبيان ذلك: أن الدفن
¥