} وما نتنزلُ إلا بأمرِ ربكَ {[مريم: 64]، وإنما هي مسألة غير منضبطة، والمهم أن تظهر قوة موسى عليه السلام ـ في الرواية ـ ولا يهم بعد ذلك الإساءة إلى القدرة الإلهية، والتدبير الإلهي! وبالتالي يصبح قوله تعالى:} حتى إذا جاء أحدَكُمُ الموت توفته رُسُلُنا وهم لا يُفَرِّطون {[الأنعام: 61] بلا معنى! وتصبح الملائكة مفرطين في الأمر الإلهي! لأن قدرتهم أقل من قدرة الإنسان!!
7 - أن موسى عليه السلام لم يستوعب الموقف، إذ فهم أن رده لملك الموت سينهي المسألة تماماً، بحيث لن يقدر ملك آخر أن ينزل إليه مرة ثانية! وتصور أنه بذلك يهرب من الموت!!
8 - أن موسى عليه السلام يكره لقاء الله تعالى إلى هذا الحد الذي يضرب فيه ملك الموت فيفقأ عينه لمجرد أنه قال له: (أجب ربك)!!
9 - أن موسى عليه السلام رجل طائش، لا يعرف كيف يضبط نفسه،
فهو عندما لا يريد الموت لا يلجأ إلى الدعاء والتضرع مثلاً (بفرض حدوث ذلك منه)، بل يستعمل يده مباشرة، حتى في مواجهة الملائكة، مما يجعلنا نتوقع منه عليه السلام أكثر من ذلك ـ بمقتضى هذه الرواية ـ يوم القيامة عند الحساب، بحيث يمكن أن نشهد عرضاً عظيماً، وصراعاً رائعاً، ربما يصرع فيه موسى عليه السلام ملكين أو أكثر فيطرحهم أرضاً بلكماته القوية، والخلائق تشهد ذلك في موقف الحساب!
10 - أن ملك الموت رجع مخاطباً الله تعالى بأسلوب التنبيه بقوله:
(إنك أرسلتني إلى عبدٍ لك لا يريد الموت)!! كأنه يريد أن ينبه الله (تعالى عن ذلك علواً كبيراً) إلى أن الإرسال في هذه المرة لم يكن على نحوٍ حكيم! إذ أن العبد المرسل إليه كان لا يريد الموت، فكيف حدث هذا من الله سبحانه؟
هكذا أيها القارئ، ولك ـ الآن ـ أن تقرر ما تشاء!!
لكننا نتساءل: تُرى من الذي دس علينا كل هذه الروايات الإجرامية، حتى يهدم فينا العقيدة الصحيحة، فتشقى أمتنا ـ بذلك ـ إلى يوم الدين؟ ترى من فعل هذا؟ حسبنا الله ونعم الوكيل!
* قلتُ: فهذا كلامه كله، نقلته مع طوله وإملاله، لتعلم أيها القارئ هل قائله ممن أنعم الله عليهم بالعقل السوي، أم أنه مخبول؟!
ويحضرني الآن ما ذكره أهل الأدب أن خالد بن صفوان ـ الخطيب البليغ ـ كان في الحمام يوماً، فرآه رجل وابنه، فأراد الرجل أن يُري خالداً ما عنده من الفصاحة والبيان، فخاطب ابنه قائلاً: يا بُني ابدأ بيداك ورجلاك! ثم التفت إلى خالد كالمتباهي وقال: يا أبا صفوان هذا كلامٌ قد ذهب أهله! فقال له خالد: هذا كلامٌ لم يخلُقُ الله له أهلاً قط!!
و"البيطري" تابع لبعض المارقين في ترديد هذه الاعتراضات، لكنه أضاف إليها من سوء أدبه وركاكة أسلوبه.
وقد أجاب أهل العلم من هذا الحديث بجوابين:
الأول: ما ذكره الإمام العلم ابن حِبان البستي في "صحيحه" (6223) فقد قال: "ذِكْرُ خبرٍ شَنَّع به على منتحلي سنن المصطفى r من حُرِمَ التوفيق لإدراك معناه"، ثم روى الحديث وعقب قائلاً: "إن الله جل وعلا بعث رسول الله r معلماً لخلقه، فأنزله موضع الإبانة عن مراده، فبلَّغ r رسالته، وبين عن آياته بألفاظ مجملة ومفسرة، علقها عنه أصحابه أو بعضهم، وهذا الخبر من الأخبار التي يدرك معناه من لم يُحرَمِ التوفيق
لإصابة الحق".
وذاك أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار وأمره أن يقول له: أجب ربك، أمرَ اختبار وابتلاء، لا أمراً يريد الله جل وعلا إمضاءه، كما أمر خليله إبراهيم ـ صلى الله على نبينا وعليه ـ بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه، فلما عزم على ذبح ابنه، وتله للجبين، فداه بالذبح العظيم.
وقد بعث الله جل وعلا الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها، كدخول الملائكة على رسوله إبراهيم ولم يعرفهم حتى أوجس منهم خيفة، وكمجيء جبريل إلى رسول الله r وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام والإحسان ... فلم يعرفه المصطفى r حتى ولى.
¥