تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالراجح الصحيح أن الحديث من "مسند أبي هريرة" ولذلك اقتصر عبد الحق الأشبيلي على إيراده في "الأحكام الصغرى" (1/ 243) وفي ذلك تصحيحٌ له عنده، كما هو معروف، لكن البخاري أعله بقوله: لا يتابع عليه ـ يعني محمد بن عبد الله بن حسن ـ، ولا أدري: أسَمِعَ من أبي الزناد أم لا؟

والجواب عن هذا التعليل: أن البخاري رحمه الله لم ينف السماع، إنما نفى علنه به، فحينئذٍ نقول: إن أبا الزناد كان عالم المدينة في وقته، وشهرة ذلك لا تحتاج إلى إثبات، ومحمد بن عبد الله مدني هو الآخر وقد وثقه النسائي، وابن حبان، ولا يُعلم عنه تدليس قط، وكان له من العمر قرابة الأربعين عاماً يوم مات أبو الزناد سنة (130هـ)، وبمثل هذه القرائن يقطع المرء بثبوت اللقاء، وقد فعل ذلك بعض أئمة الحديث

كابن حبان.

فقد نقل ابن أبي حاتم في "المراسيل" (ص 203 - 205) عن شعبة، ويحيى القطان، وابن معين، وأبي حاتم الرازي قولهم: "لم يسمع مجاهد من عائشة". فرد عليهم ابن حبان في "صحيحه" (3021) قائلاً: "ماتت عائشة سنة سبع وخمسين، وولد مجاهد سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر،

فدلك هذا على أن من زعم أن مجاهداً لم يسمع من عائشة كان واهماً في

قوله ذلك".

وكذلك نفى نافٍ سماع مجاهد من أبي هريرة t ، فرد عليه ابن حبان في "صحيحه" (4603) قائلاً: "سمع مجاهد من أبي هريرة أحاديث معلومة بين سماعه فيها عمر بن ذر، وقد وهم من زعم أنه لم يسمع من أبي هريرة شيئاً؛ لأن أبا هريرة مات سنة ثمانية وخمسين في إمارة معاوية، وكان مولد مجاهد سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب، ومات مجاهد سنة ثلاثة ومائة، فدل هذا على أن مجاهداً سمع أبا هريرة". انتهى

وأنت ترى يرحمك الله أنه ليس في يد ابن حبان دليل إلا إثبات المعاصرة البينة. على الرغم من أنه قال: "إن عمر بن ذر روى عن مجاهد أحاديث قال فيها: حدثنا أبو هريرة أو سمعت ونحوها، إلا أنه لم يتكئ على هذا رغم قوته، لأنه يمكن أن يقول: أخطأ أحد رواة الإسناد في ذكر التصريح بالسماع، ولجأ إلى حجة هي أقوى بكثير من مجرد التصريح بالسماع،

ولا تكاد ترد إلا بحجة فالجة، ألا وهي المعاصرة البينة، هذا مع أن مجاهداً مكيٌ، وعائشة رضي الله عنها عاشت ودفنت في المدينة، فإذا اعتبرت هذا، ورجعت إلى مسألتنا رأيت أن أبا الزناد، ومحمد بن عبد الله كليهما مدني، وقد عاشا مع بعض طويلاً مع البراءة من التدليس، فأي قرينة أقوى من هذه؟ وقد تمسَّك بعضُ من عائد في هذا البحث بقول البخاري، فقلت له: أفما التقيا في المسجد النبوي قط على مدار ثلاثين عاماً، مع شهرة أبي الزناد في هذا المسجد المبارك؟ أفما التقيا في صلاة الجمعة على الأقل؟! فسكت لوضوح الإلزام.

فالصواب في هذا البحث: أن لقاء محمد بن عبد الله أبا الزناد ممكن جداً بل هو الراجح على ما قدمنا. وقد ذكر الدار قطني أن الدراودري تفرد به عن محمد بن عبد الله. والجواب: أن الدراوردي، واسمه: عبد العزيز بن محمد، فلم يتفرد إلا بالتفصيل، وإلا فقد تابعه عبد الله ابن نافع الصائغ، فرواه عن محمد بن عبد الله بن حسن، هن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعاً: "يعمد أحدكم في صلاته، فيبرك كما يبرك الجمل".

أخرجه أبو داود (841)، والنسائي (2/ 207)، والترمذي (269)، والبيهقي (2/ 100)، والمزي في "التهذيب" (25/ 471) عن قتيبة بن سعيد، ثنا عبد الله بن نافع بهذا.

واستغربه الترمذي.

وإسناده جيدٌ، وعبد الله بن نافع، صدوق من حفظه بعض المقال، وكتابه صحيح، وروايته وإن كانت مجملة، إلا أن تفصيلها يعود إلى رواية الدراوردي قطعاً كما سيأتي بيانه في الوجه الخامس إن شاء الله تعالى.

يبقى القول بتفرد محمد بن عبد الله، عن أبي الزناد بهذا الحديث.

فاعلم أيها المسترشد ـ أن رواية الراوي لا تخرج عن ثلاثة أنواع:

إما أن يتابع، وإما أن يخالف، وإما أن يتفرد.

وكلامنا عن النوع الثالث، وهو التفرد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير