وعودا على بدء، فقد أحس الرجل الخير بحدسه أن الله وهبه المال ووضعه بين يديه، لينفقه في مجال الخير، ينتفع به أبناء الأمة كلها، وتلك هي زكاته، فانطلق يشيد ويبني، ويؤسس، فكانت اللبنة الأولى المدارس الأهلية الخيرية، ثم كلية الدراسات العربية والإسلامية، ولم يقف طموحه عند هذا الحد، ورأى أن من واجبه تسهيل سبل الحصول على نسخ المخطوطات للباحثين عنها، ولا يتمكنون من الوصول إليها، فأقام صرح مركز الثقافة والتراث بدبي، ليكون النبع الذي يرده العلماء والأدباء من هذه الأمة، يمدهم بما يحتاجون إليه من كتب ومخطوطات ومعلومات.
ومن أجل الحصول على المخطوطات، أصلية كانت أم نسخاً مصورة، حبب الله إليه السفر للبحث عنها في مظانها، دون كلل، ما أن يحط رحاله من رحلة إلى بلد حتى يعود إليه هاجس السفر إلى مكان آخر.
وهكذا انطلق جمعة الماجد في رحلاته إلى انحاء الدنيا، سابراً أغوار المكتبات أينما وجدت، بحثا عما فقدناه، عله يعود بصيد ثمين، يقدمه على مائدته العامرة، لمن يعيد لهذا الصيد الحياة، فلم يترك مكانا يحدوه إليه الأمل في العثور على ضالة شاردة، مختفية، بل مخفاة فيه، فسارت قافلته إلى الجمهوريات الإسلامية، التي أفلتت من عقال الشيوعية، مثل أذربيجان، وأوزبكستان، كما حط رحله في روسيا نفسها، في مكتبة كلية الدراسات الشرقية، في جامعة سانت بطرسبورغ، وفي مكتبة معهد الاستشراق فيها، ووصلت قافلته إلى المدن المغربية، الدار البيضاء، والرباط، وسلا، وأقليم بني ملال وغيرها، ومنها إلى إيران، وليبيا، وتونس، وغيرها من البلدان، وما زالت البلدان تترى.
وتعود القافلة من كل رحلة تحمل صوراً على ميكروفيلم لنسخ من مخطوطاتنا، وكلها نسخ قيمة بما تحويه من علوم نحن الآن بأمس الحاجة إليها، وتكمن أهميتها بكون بعضٍ منها نسخاً نادرة، إما لأنها كتبت بيد مصنفها، وإما عليها قراءة وسماع طالب علم على مؤلفها، ووثق السماع والقراءة بخط المؤلف، وإما ان تكون كتبت ومؤلفها حيّ أو بعد وفاته بقليل، إلى غير ذلك من الأمور التي تكسب المخطوط قيمة.
ومن منطلق الاحساس بجهود علمائنا وسلفنا الصالح العظيمة يرسم لنا مؤسس المركز أحد الأسباب التي حدت به لتأسيسه، فيقول " إن الباحث الذي قضى أكثر من نصف عمره لتأليف كتاب، وجاب مشارق الأرض ومغاربها، وتعرض للمشاق
والعقبات، ألا يستحق الآن، ونحن بهذه القوة والصحة والمال، أن نسعى جاهدين للمحافظة على هذا التراث القيم العظيم، الذي يمثل نتاج أولئك الباحثين، خدمة لهم ولأهل العلم".
وهذا كلام سطره يراع من أحس بمثل معاناة أبي عبيد القاسم بن سلام وهو يصف عمله في كتابه غريب الحديث " كنت في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال، فاضعها في موضعها من الكتاب، فأبيت ساهرا فرحا مني بتلك الفائدة، وأحدكم يجيئني فيقيم عندي أربعة أشهر أو خمسة أشهر، فيقول: قد أقمت الكثير" ().
وقد آن لنا الولوج إلى المركز لنقف على ما تحتويه شجرة أبي خالد العلمية من أصناف ثمار تفتح شهية الباحث، ويسيل لعابه عند النظر إليها.
التعريف بالمركز
المركز هيئة علمية ذات نفع عام تعنى بالثقافة والتراث، أنشىء بتمويل مؤسسه السيد جمعة الماجد وجهوده، وتعود البداية في نشوء فكرة المركز إلى العام 1988م، حيث بدأ العمل على اقتناء الأوعية الثقافية بأشكالها المتنوعة والمتعددة، ومن ثم حفظها وفهرستها وتصنيفها، ومن ثم أخذ الترخيص الرسمي في نيسان 1991م. وفي سنة 1993م بدأت مرحلة الخدمات المكتبية للباحثين وطلاب الجامعات، وبدأت معها أنشطة المركز المتنوعة من دورات تدريبية وندوات علمية ومعارض وكتب وغير ذلك.
أهداف المركز
لقد أنشى المركز لتحقيق جملة من الأهداف التي تخدم الثقافة العربية والإسلامية المتمثلة فيما يأتي:
• الاهتمام بالفكر والثقافة والتراث العربي والإسلامي، وتيسير السبل لدراسته وتحقيقه، وإظهاره والتعريف به، والإفادة من المبادىء الرفيعة التي يتضمنها.
• جمع الأوعية الثقافية القيمة من الثقافة العالمية والإسلامية وحفظها في مكتبة مرجعية؛ لتيسير سبل الانتفاع بها لكل راغب.
¥