تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال تعالى عن النار: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ {8} قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ {9}) [سورة الملك 8 - 9]، فقد أخبر سبحانه وتعالى بصيغة العموم أنه كلما ألقي فيها فوج سألهم الخزنة، هل جاءهم نذير؟ فيعترفون بأنهم قد جاءهم نذير فلم يبق فوج يدخل النار إلا وقد جاءهم نذير فمن لم يأته نذير لم يدخل النار.

وقال تعالى لإبليس: (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) [سورة ص 85]، فقد أقسم سبحانه أنه يملؤها من إبليس وأتباعه، وإنما أتباعه من أطاعه فمن لم يعمل ذنباً لم يطعه، فلا يكون ممن تملأ به النار.

وإذا ملئت بأتباعه لم يكن لغيرهم فيها موضع.

وقد ثبت في (الصحيحين) من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يلقى في النار وتقول: هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه؛ وفي رواية "فيضع قدمه عليها "، فتقول: قط قط، وينزوى بعضها إلى بعض؛ (أي تقول حسبي حسبي)؛ وأما الجنة فيبقى فيها فضل فينشىء الله لها خلقاً فيسكنهم فضول الجنة.

هكذا روي في الصحاح من غير وجه؛ ووقع في بعض طرق البخاري غلط قال فيه: "وأما النار فيبقى فيها فضل"؛ والبخاري رواه في سائر المواضع على الصواب ليبين غلط هذا الراوي كما جرت عادته بمثل ذلك: إذا وقع من بعض الرواة غلط في لفظٍ ذكرَ ألفاظ سائر الرواة التي يعلم بها الصواب.

وما علمت وقع فيه غلط إلا وقد بين فيه الصواب؛ بخلاف مسلم فإنه وقع في (صحيحه) عدة أحاديث غلط أنكرها جماعة من الحفاظ على مسلم.

والبخاري قد أنكر عليه بعض الناس تخريج أحاديث لكن الصواب فيها مع البخاري.

والذي أنكر على الشيخين أحاديث قليلة جداً؛ وأما سائر متونهما فمما اتفق علماء المحدثين على صحتها وتصديقها وتلقيها بالقبول لا يستريبون في ذلك.

وقد قال تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ {130} ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ {131}) [سورة الأنعام 130 – 131].

فقد خاطب الجن والإنس واعترف المخاطبون بأنهم جاءتهم رسل يقصون عليهم آياته وينذرونهم لقاء يوم القيامة، ثم قال: (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون)، أي هذا بهذا السبب؛ فعُلم أنه لا يعذب من كان غافلاً ما لم يأته نذير فكيف الطفل الذي لا عقل له----) إلى آخر كلامه رحمه الله.

وراجع (مجموع الفتاوى) (16/ 46 - 47).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في (حادي الأرواح) (ص278) عقب ذكرِه بعض الأحاديث الصحيحة المتقدمة:

(وأما اللفظ الذي وقع في (صحيح البخاري) في حديث أبي هريرة وأنه ينشئ للنار من يشاء فيلقى فيها فتقول: هل من مزيد؟ فغلطٌ من بعض الرواة، انقلب عليه لفظه؛ والروايات الصحيحة ونص القران يرده، فإن الله سبحانه أخبر أنه يملأ جهنم من إبليس وأتباعه، وأنه [في الأصل فإنه] لا يعذب إلا من قامت عليه حجته وكذَّب رسله، قال تعالى: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ {8} قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ) [الملك 8 - 9] ولا يظلم الله أحداً من خلقه).

وقال ابن القيم أيضاً في (أحكام أهل الذمة) (2/ 1104 - 1108):

(واحتجوا بما روى البخاري في (صحيحه) في احتجاج الجنة والنار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأما النار فينشئ الله لها خلقاً يسكنهم إياها)؛ قالوا: فهؤلاء يُنشؤون للنار بغير عمل، فلأن يدخلها من ولد في الدنيا بين كافرين أولى؛ قال شيخنا: وهذه حجة باطلة فإن هذه اللفظة وقعت غلطاً من بعض الرواة وبينها البخاري رحمه الله تعالى في الحديث الآخر الذي هو الصواب فقال في "صحيحه").

ثم ذكر ابن القيم ذلك الحديث، وفيه لفظة " الجنة " مكان "النار"، في العبارة المتقدمة، ثم قال:

(هذا هو الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا ريب، وهو الذي ذكره [أي البخاري] في "التفسير" [من صحيحه]؛ وقال في "باب ما جاء في قول الله عز وجل إن رحمة الله قريب من المحسنين"----[وذكر ابن القيم الرواية الشاذة ثم قال:] فهذا غير محفوظ وهو مما انقلب لفظه على بعض الرواة قطعا كما انقلب على بعضهم "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"، فجعلوه "إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال"؛ وله نظائر من الأحاديث المقلوبة من المتن.

وحديث الأعرج عن أبي هريرة هذا لم يحفظ كما ينبغي وسياقه يدل على أن راويه لم يقم متنه بخلاف حديث همام عن أبي هريرة).

وقال ابن القيم أيضاً في (طريق الهجرتين) (ص576) في معرض رده لبعض المذاهب المخالفة للصحيح في بعض المسائل:

(واحتجوا [يعني أصحاب المذهب المشار إليه] أيضاً بما روى البخاري في (صحيحه) في حديث احتجاج الجنة والنار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وأما النار فينشىء الله لها خلقاً يسكنهم إياها قالوا: فهؤلاء يُنشأون للنار بغير عمل، فَلَأَن يدخلها من ولد في الدنيا بين كافرين أولى.

وهذه حجة باطلة فإن هذه اللفظة وقعت غلطاً من بعض الرواة وبينها البخاري في الحديث الآخر وهو الصواب، فقال في "صحيحه"---)، ثم ذكر نحو ما ذكره في "أحكام أهل الذمة ".

وقال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (13/ 437) بعد كلام له في ذكر احتجاج بعض الفرق بهذا الحديث على بعض عقائدهم:

(وليس في الحديث حجة للاختلاف في لفظه ولقبوله التأويل؛ وقد قال جماعة من الأئمة: إن هذا الموضع مقلوب؛ وجزم ابن القيم بأنه غلط واحتج بأن الله تعالى أخبر بأن جهنم تمتلىء من إبليس وأتباعه؛ وكذا أنكر الرواية شيخنا البلقيني واحتج بقوله "ولا يظلم ربك أحدا " ----).

"

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير