إذا كانت صيغة الأداء صريحة في عدم احتمال الواسطة بين الراوي ومن فوقه، فإن كان غير موصوف بتدليس الاجازة ونحوها فتلك الصيغة تعتبر صريحة في السماع؛ ولكن إذا كان الراوي موصوفاً بهذا النوع من التدليس، أو كان من الطبقات التي كثر فيها ذلك وهم المتأخرون، ولم يأت ما يدل على عدم تعاطيه إياه، فينبغي اعتبار احتمالات هذه القضية والنظر في قرائنها وملابساتها؛ فإذا كان الحديث شاذاً أو منكراً أو غريباً غرابة لا يحتملها ظاهر الإسناد فقد يترجح عند الناقد الحمل على هذا النوع من التدليس.
**************************
تدليس المذاكرة
وأما تدليس المذاكرة، فأن يروي ما سمعه بالمذاكرة من غير أن يصرح بأنها مذاكرة، ليس من باب الوهم والنسيان، بل من باب التعمد والتساهل وإخفاء حقيقة كيفية أخذ الحديث.
والمذاكرة: هي أن يتذاكر أهل الحديث فيما بينهم في مجالسهم ببعض الأحاديث، والمعروف أنهم حين ذاك لا يحرصون على الدقة في أداء الرواية، كما يحرصون عليها في مجالس التحديث، أي الأداء، وذلك لعلمهم أن السامع، أي لما يقال في المذاكرة، يعلم من القرائن القائمة في ذلك المقام أن المحدث لم يقصد بذلك الإسماعَ الذي ينبني عليه الرواية والتبليغ، ولذلك منع جماعة من الأئمة الحمل عنهم حال المذاكرة.
وكان من عادة كثير من المحدثين التباهي بالإغراب، يحرص كل منهم على أن يكون عنده من الروايات ما ليس عند الآخرين لتظهر مزيته عليهم، وكانوا يتعنتون شديداً لتحصيل الغرائب ويحرصون على التفرد بها، وكانوا إذا اجتمعوا تذاكروا فيحرص كل واحد منهم على أن يذكر شيئاً يُغْرب به على أصحابه، بأن يكون عنده، دونهم، ولم يكونوا يبالون في سبيل إظهار المزية والغلبة أكان الخبر عن ثقة أو غيره، صحيحاً أو غير صحيح؛ وكانت طريقتهم في المذاكرة أن يشير أحدهم إلى الخبر الذي يرجو أنه ليس عند صاحبه ثم يطالبه بما يدل على أنه قد عرفه، كأن يقول الأول: مالك عن نافع قال 000، فإن عرفه الآخر قال: حدثناه فلان عن فلان عن مالك. وقد يذكر ما يعلم أنه لا يصح أو أنه باطل كأن يقول: (المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً: أبغض الكلام إلى الله الفارسية). ومن حدث بما سمعه في المذاكرة كان عليه أن يقول: حدثنا فلان مذاكرة أو في المذاكرة، ولا يطلق ذلك فيقع في نوع من التدليس.
[أصل هذا الكلام للعلامة المعلمي في التنكيل].
**************************
أسباب هذا النوع (الخامس) من التدليس
غرض من يتعاطى هذا النوع من التدليس إخفاء حقيقة كيفية التحمل المرغوب عنها أو المفضولة أو غير المعتمدة عند جماعة، وإيهام كونه - أي التحمل - حاصلاً بكيفية أخرى صحيحة أو فاضلة.
"
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[11 - 03 - 06, 08:59 ص]ـ
النوع السادس
تدليس المتون
قال أبو المظفر السمعاني في كتابه (قواطع الأدلة) (2/ 323): (وأما من يدلس في المتون فهذا مطرح الحديث مجروح العدالة وهو ممن يحرف الكلم عن مواضعه فكان ملحقا بالكذابين ولم يقبل حديثه).
قال بعض الفضلاء المحققين، وأظنه الشيخ عبد الله السعد: (إذا كان أبو المظفر يقصد تغيير المتن تعمداً من الراوي أو حمل هذا المتن على إسناد آخر فهذا كذب لمن تعمده، ولكن لا يسمى – اصطلاحاً - تدليساً، وأما إذا لم يتعمد فهذا أيضاً لا يسمى تدليساً، وإنما خطأ وسوء حفظ). انتهى.
وقال الزركشي في (النكت على مقدمة ابن الصلاح) (2/ 31 - 32) بعد كلام في التدليس:
(هذا كله في تدليس الرواة وأما تدليس المتون فهو الذي يسميه المحدثون المدرج--- وقد ذكره المصنف في النوع العشرين وكان ذكره هنا أنسب؛ وممن ذكره هنا من الأصوليين الأستاذ أبو منصور البغدادي وأبو المظفر السمعاني--- وكذلك ذكره الماوردي والروياني في الحاوي والبحر في كتاب القضاء فقسما التدليس إلى ما يقع في الإسناد وإلى ما يقع في المتن).
"
هذا آخر أنواع التدليس، وإذا أخرجنا منها النوع الأخير، تكون راجعة إلى أربعة أصول:
إيهام العلو أو الصحة، بحذف راو.
أو إيهام الرحلة أو الغرابة أو الصحة بتسمية راو بغير ما اشتهر به.
أو إيهام مثل ذلك بتسمية مكان السماع باسم بلد بعيد أو مهم.
أو إيهام صحة التحمل، أو جودتِه، بتغيير صيغة الأداء المعبرة عن كيفية التحمل.
***************
ويتبَع بفوائد في أحكام التدليس .... بإذن الله تعالى ....
"
"
¥