«قال شيخنا: أسقط من قول الحاكم قيداً لا بد منه، وهو أنه قال: وينقدح في نفس الناقد أنه غلط، ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك، ويؤيد هذا قوله: وذكر أنه يغاير المعلل، فظاهره أنه لا يغايره إلا من هذه الجهة، وهو كونه لم يُطلع على علته، وأما الرد فهما مشتركان فيه، ويوضحه قوله: والشاذ لم يوقف فيه على علته كذلك، أي كالمعلل، يعني: بل وقف عليه حدساً».
ثالثاً: قيد الحاكم في تعريفه (الشاذ) بما كان عن ثقة، وأكد ذلك في الأمثلة التي ساقها، ولكن الظاهر أنه هذا قيد أغلبي، أي أن الغالب أنهم يطلقون على أحاديث الثقات الشذوذ، ولكن قد يقع أحياناً إطلاق الشذوذ على أحاديث الضعفاء، وقد فعل الحاكم نفسه في مستدركه في الموضع السابع الذي سبق ()؛ حيث حكم على تفرد: جُميع بن عمير، وإسحاق بن بشر؛ بأنه شاذ مع أنهما ضعيفان.
رابعاً: أن الحاكم لا يسمي مطلق التفرد شذوذاً، إنما سمَّى التفرد الذي لم يجد له أصلاً، وليس له متابعة، ولم يكن معروفاً ولا محفوظاً عند المحدثين، وترجح في نفس الناقد أنه غلط وغير صحيح؛ فهذا الذي يحكم عليه الحاكم بالشذوذ؛ لا مطلق التفرد.
وبالتالي فلا محل للإشكال الذي طرحه ابن الصلاح حيث قال (): «فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط، كحديث إنما الأعمال بالنيات ... فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم .. ».
فإن الحاكم لا يسمي مطلق التفرد شذوذاً، إنما يطلق الشذوذ على ما تفرد به الثقة وليس له أصل متابع، أي إنه غير محفوظ، ويشعر الحافظ أن فيه علة، لكن لم يقف عليها، فهذا النوع الخاص من التفرد يسميه شاذاً لا أي حالة تفرد. ويدل على ذلك أمور:
1 - أن الحاكم لم يطلق وصف الشذوذ في مستدركه إلا في سبعة مواضع فقط، وهذا يوضح صراحة أنه لا يقصد مطلق التفرد بهذا المصطلح، وإلا فالمستدرك مليء بالأحاديث الأفراد، ومع ذلك لم يسمها شاذة، بل صحح أكثرها وقواه، مما يدل على أن الشاذ هو نوع دقيق من الأفراد المعلة التي لم تعرف علتها كما سبق بيانه.
2 - أن الحاكم يفرق بين الأفراد والشواذ، وقد ذكر في كتابه (معرفة علوم الحديث) نوعاً خاصاً سماه الأفراد، وهو (النوع الخامس والعشرون)، وذكر أقسامه، ومثل لها، كما سبق النقل عنه ()، وذكر قبل الأفراد الأحاديث الغرائب بنوع خاص. وأما الشاذ فقد ذكره في (النوع الثامن والعشرين) بعد ذكره لنوع المعلل مباشرة.
إذاً الحاكم يفرق بين (الغريب) و (الفرد) و (الشاذ) و (المعلل)، ومن ظن أن الحاكم يطلق الشاذ على عموم الأفراد يدعي أنه لا يميز بين (الفرد) و (الشاذ)، وهذا غير صحيح البتة.
3 - أن الحاكم موافق لجمهور أهل السنة من المحدثين الذين لم يشترطوا تعدد الرواية، بل قبلوا أحاديث الآحاد والأفراد، إذا توفرت شروط صحتها وقبولها، خلافاً لبعض أهل البدع الذي اشترطوا التعدد، ولم يقبلوا رواية الواحد ().
وقد صرح الحاكم نفسه بقبول التفرد من الثقة، فقال بعد أن خرج حديثاً في مستدركه ():
«صحيح على شرطهما، فقد احتجا جميعاً بمالك بن سعير، والتفرد من الثقات مقبول».
فكيف يحكم بقبول تفرد الثقة ثم يجعله نوعاً من المعلل، ويصفه بالشذوذ مطلقاً؟؟؟
خامساً: أن الحاكم لم ينتقد تعريف الشافعي، وإنما اكتفى بذكره ثم شرع في التمثيل، وهذا يشير إلى موافقة الشافعي
ـ[محمد سفر العتيبي]ــــــــ[22 - 03 - 06, 01:13 ص]ـ
جزيت خيراً,
بداية طيبة وجهد مشكور,
فهمت من سياق الرد الثاني-الشرح والتمثيل- ومن ثم ما استنتجته استقراءً, أن مقصد الحاكم بالشاذ, أنه مقارب لقول الترمذي قبله بأكثر من 100 سنة: حديث غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه!!!
أرجو التوضيح إن ضللت في فهمي ضلالاً بعيداً, وبتوسع إن أمكن
وفقكم الله