تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المبحث السادس: التعميم الفاسد.

المبحث الأول: التحيز العنصري في المسلمات الأولية

لا يخلو أي بحث علمي من مسلمات أولية أو ما يسمى بالأفكار القبلية، لا يتكلم عليها الباحث ولا يصرح بها، ولكنه ينطلق منها في معالجة القضايا التي يتطرق لها في بحثه (1)، والملاحظ أن " شاخت " كان في المسلمات الأولية في كتاباته عن السنة النبوية واقعاً تحت تأثير تحيز عنصري ضد العرب والمسلمين، وهو وإن لم يصرح بمسلماته بصورة جلية وواضحة

-لغايات لا تخفى على اللبيب-، إلا أن ذلك يظهر بجلاء في حكمه القاطع والجازم على صفوة الأمة وأوثق علمائها بأنهم من الكذابين، وأنهم اختلقوا الأسانيد ونسبوها زوراً وافتراءً لرسولهم - صلى الله عليه وسلم -.

ونتيجة لهذه المسلَّمة القاطعة التي تجذرت في وعيه، أشار إلى أن الأسانيد في كتب السنة، والتي تدل على اتصال الإسناد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لا قيمة لها، ((بل هي كذب محض؛ لأن الأحاديث النبوية بكاملها لم توجد إلا في القرنين الثاني والثالث، فكيف يمكن أن نتصور وجود الأسانيد قبل وجود المتون؟ بل لا بد أن توجد المتون من قبل ثم تظهر الأسانيد لا العكس)) (2)، ويقول في تقرير هذا الأمر: ((إن أكبر جزء من أسانيد الأحاديث اعتباطي ... وأي حزب يريد نسبة آرائه إلى المتقدمين، كان يختار تلك الشخصيات ويضعها في الإسناد)) (3)، وقد نقلنا عنه آنفاً أنه لا يعتقد بوجود أي حديث صحيح من أحاديث الأحكام المروية بالسند المتصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.


(1) أوسع من رأيته تكلم على خطورة الأفكار القبلية الضمنية التي لا يصرح بها، وأثرها السيئ في صحة الأفكار والنظريات العلمية هو الدكتور ريمون بودون رئيس قسم العلوم الإنسانية في جامعة السوربون بباريس في كتابه " فن إقناع الذات بأفكار هشة ومشكوك فيها وخاطئة " (ص 117 - 196).
(2) المستشرق شاخت والسنة النبوية (1/ 83).
(3) السابق.

وهذا الرأي القطعي - في نظره - يدل دلالة واضحة على أنه مبني على مسلمة أولية راسخة عنده، وهي أن علماء المسلمين قوم كذبة، كانوا يستبيحون الكذب ويستحلونه في أمور دينهم ولا يتورعون عنه، بل يفهم من كلامه أنهم مجمعون على ذلك، ومتواطئون عليه، ولو لم يكونوا كذلك في نظر "شاخت"؛ لما قرر نتيجته السابقة بعمومية وإطلاق ومن دون أي استثناءات أو قيود.
وسنناقش هذه المسلمة بما فيها من تحيز عنصري بغيض، مما يدل على أن الرجل واقع تحت تأثير الأفكار السابقة عن المسلمين الكامنة في عقلية عوام الغربيين.
ولكن قبل ذلك لابد من الإشارة إلى أن أهم صفة يجب أن يتحلى بها الباحث العلمي هي الإنصاف والعدل حتى مع خصومه ومخالفيه، والتي يعبر عنها المتخصصون في المنهج العلمي بالموضوعية. ويقرر أولئك العلماء أن أشد نواقض الموضوعية وقوادحها؛ التحيز ضد قومية أو فكرة أو مبدأ أو شخص أو مذهب .. إلخ.
ويحذر المختصون في المنهج العلمي أي باحث من الوقوع في التحيز أو التعصب العنصري؛ لأن ذلك يتعارض مع مبدأ الموضوعية، وسأورد فيما يلي نصوصاً منتقاة لبعض المختصين تؤكد هذه الحقيقة التي أصبحت إحدى مسلمات المنهج العلمي بصورة مطلقة.
يقول روبرت ثاولس: ((من الأمور التي تجعلنا ميالين إلى التفكير الأعوج، تحيزاتنا التي هي: طرق في التفكير تقررها سلفاً قوى ودوافع انفعالية شديدة، كالتي يكون مصدرها منافعنا الذاتية الخاصة، أو ارتباطاتنا الاجتماعية)) (1). ويقول: ((إننا نكون تحت تأثير الهوى والتحيز في آرائنا ميالين إلى تصديق ما نرغب في تصديقه، أو ما نحتاج إليه أن يكون صحيحاً، وإلى إنكار ما نرغب في إنكاره، أو ما نحتاجه أن يكون باطلاً)) (2).

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير