تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

’’هذا مع اتفاق الفقهاء على الرجوع إليهم في التعديل والتجريح كما اتفقوا على الرجوع في كل فن إلى أهله، ومن تعاطى تحرير فن غير فنه فهو متعنٍّ، فالله تعالى بلطيف عنايته أقام لعلم الحديث رجالا نقادا تفرغوا له وأفنوا أعمارهم في تحصيله والبحث عن غوامضه وعلله ورجاله ومعرفة مراتبهم في القوة واللين‘‘.

’’فتقليدهم، والمشي وراءهم، وإمعان النظر في تواليفهم، وكثرة مجالسة حفاظ الوقت مع الفهم، وجودة التصور، ومداومة الاشتغال وملازمة التقوى والتواضع، يوجب لك – إن شاء الله – معرفة السنن النبوية ولا قوة إلا بالله‘‘ اهـ (2)


(1) – المصدر السابق.
(2) – فتح المغيث 1/ 274 (إدارة البحوث الإسلامية بالجامعة السلفية ببنارس، ط: 1، سنة 1407هـ.

قول السخاوي فيه تلميح إلى دور النقاد في تنقية الأحاديث ونظرتهم الشاملة والثاقبة في خفايا الأمور الإسنادية والحديثية، وإلى تبعية الفقهاء المتأخرين لهم في معرفة الصحيح و السقيم من الأحاديث.
لكن صاحب كتاب " السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث " نازع هذا الواقع الملموس في منهج المحدثين في نقد الأحاديث، إذ يجعل دور المحدثين محصورا في الأسانيد، وأن الفقهاء هم الذين أكملوا دراسة المتون التي قصر عنها نظر النقاد المحدثين، ولا يخفى أنه يلزم من ذلك أن الفقهاء هم الذين يكتشفون الشذوذ والعلة، لأن الشيخ يجعل هذين الأمرين من علوم المتن دون الإسناد.
إن الواقع التاريخي للمحدثين النقاد يشهد أنهم جمعوا بين الحديث وفقهه، ولهذا قاموا بنقد المرويات أسانيدها ومتونها، وإذا أردت التأكد من هذا فعليك مراجعة كتاب التمييز للإمام مسلم، وسائر كتب العلل ومصادر تراجم الضعفاء. وهذا الإمام الحاكم يشرح لنا هذه الحقيقة؛ حين يقول:
’’فأما فقهاء الإسلام أصحاب القياس والرأي والاستنباط والجدل والنظر فمعروفون في كل عصر وأهل كل بلد، ونحن ذاكرون - بمشيئة الله - في هذا الموضوع فقه الحديث عن أهله ليستدل بذلك على أن أهل هذه الصنعة من تبحر فيها لا يجهل فقه الحديث إذ هو نوع من أنواع هذا العلم:‘‘
’’ فممن أشرنا إليه من أهل الحديث محمد بن مسلم الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي وسفيان بن عيينة وعبد الله بن مبارك ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن يحيى التميمي وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه الحنظلي ومحمد بن يحيى الذهلي ومحمد بن إسماعيل البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم وإبراهيم بن إسحاق الحربي ومسلم بن حجاج وعثمان بن سعيد الدارمي وأبو عبد الله محمد بن نصر المروزي، وأبو عبد الرحمن النسائي وابن خزيمة‘‘. انتهى كلام الحاكم بتصرف (معرفة علوم الحديث ص:63 - 85).
وقد ذكر الحاكم مع كل واحد منهم شيئا من فقههم، وهناك كثير من النقاد الذين جمعوا الحديث والفقه كالإمام مالك والشافعي وأبي داود والترمذي وسفيان الثوري ومنصور بن المعتمر و الإمام الدار قطني والبيهقي وغيرهم، وهم كثر يحتاج ذكرهم إلى تأليف مستقل.
نعم، إن المحدثين فيهم من لم يتفقه وكان جل همهم حفظ الأحاديث وروايتها، لكنهم لم يتصدوا لنقدها، ولعل فضيلة الشيخ (رحمه الله) أخذ هذا الواقع وعممه على نقاد الحديث جميعا، وذلك تقصير خطير منه، لأنه يؤدي إلى إنكار جهودهم المتكاملة وتميزهم بالنظر الثاقب إلى الإسناد والمتن جميعا، ولم تكن دراستهم محصورة في الأسانيد أبدا، كما روجها المستشرقون لإثارة الشكوك في نفوس المسلمين حول مكانة السنة النبوية التي هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، والله المستعان.
والكتاب فيه ملاحظات علمية كثيرة وليس هذا مجال بيانها، لكن الجدير بالذكر أنه وقع منه أخطاء فادحة، نتيجة تدخله المباشر في فن الحديث تضعيفا وتصحيحا، الذي لم يكن من تخصصاته، مع أنه عاب على كل من يتعاطى فنا غير فنه، ولهذا كان مخطئا حتى في تحرير أيسر القضايا في علم الحديث؛ حيث جعل الشذوذ و العلة من خصائص المتون حصرا، وليس الأمر كذلك إذ الإسناد موضع الشذوذ والعلة أيضا.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير