كما ترون هو: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة؛ أسماء عربية، هؤلاء الأجداد كلهم مسلمون، بردزبة: هو الذي كان على المجوسية ومات على المجوسية؛ لأن الديانة التي كانت شائعة في بخارى قبل دخول الإسلام إليها كانت هي المجوسية.
والمغيرة جَدُّ أو أبي جَدِّ الإمام البخاري، أسلم على يَدِ رجل يقال له اليمان الجعفي، ولذلك يقال للإمام البخاري: الجعفي مولاه؛ لأن الولاء يكون لأحد ثلاثة أسباب.
يُنسب الإنسان إلى القبيلة ولاءً لأحد ثلاثة الأسباب:
1 - إما بالعتق: أن يكون عبدًا رقيقًا فيُعتقه سيدُه فيُنسب إلى سيده ولاءً.
2 - أو بالحِلف: أن تكون قبيلة حالفت قبيلة فيُنسب إلى القبيلة التي حالفها.
3 - أو بالإسلام: وهذه فيها خلاف عند أهل العلم، لكن قالوا تُلحق بعتق الرقبة؛ لأن الذي أسلم على يديه رجل كأنه أعتقه من النار، ولذلك استحَق أن يكون سيدً ا له.
وُلِدَ الإمام البخاري عليه رحمة الله في بخارى، وهي من بلاد ما وراء النهر - كما هو معروف - في دولة جاكستان الحالية، في سنة أربع وتسعين ومائة من الهجرة، أي: في أوائل القرن الثاني الهجري، ووُلد أعمى أو أُصيب بالعمى بعد ولادته بشيء يسير؛ على خلاف، فرأتْ أمه رؤية صالحة أن إبراهيم (خليل الرحمن عَلَّمَها دعاءً، وأن بهذا الدعاء سيُشفى ويبرأ إذا دَعَتْ به، فاستيقظت ودعت به فشُفِيَ ولدها الإمام البخاري، وهذه كانت الحقيقة - كما يقال إرهاص - للإمام البخاري ولمكانته التي سيحتلها بين علماء المسلمين وأئمة المسلمين.
كرامة أعطيتها أمُّ هذا العالِم ليتحقق قضاء الله وقدره في هذا الإمام بأن ينال المكانة السامية بين علماء المسلمين التي نالها أو التي عُرف بها.
نشأ نشأة صالحة، أبوه من العلماء من طلبة الحديث، وقد ترجم لوالد الإمام البخاري إسماعيل الإمامُ البخاري بنفسه في كتابه " التاريخ الكبير " ترجمة تدل على أنه له عناية بالرواية، فاعتنى بولده هذا، ووَجَّهَهُ إلى السُّنة وإلى تَعُلُّمِها من فترة مبكرة.
وكان - ولا شك - لِنُبُوغ هذا الإمام عبقريته الفذة دور كبير في بُروزه وفي تَعَلُّمه، فقد بلغ مرتبة من العلم في فترة مبكرة جدًّا من عمره، بل له قصة مع أحد شيوخه وهو الدَّاخِلِيُّ وله من العمر أحد عشر عامًا.
كان هذا الشيخ يُحدِّث فروى حديثًا: عن إبراهيم عن أبي سُبَيْعٍ ..
فقال: له البخاري وهو عمره أحد عشرة سنة: هذا خطأ!! والشيخ كبير في السن، حوله الطلاب، وهذا غلام عمره أحد عشرة سنة، يعني مثل بعض الأبناء الجالسين معنا الآن. أحد عشرة سنة!! والشيخ يُحَدِّث وأمامه الطلاب، وهذا يقف أمام الناس ويقول: أخطأت.
فقال له الداخلي وزَبَرَهُ ونهره، وبعض الجلوس كيف تقول تُخَطِّئ الشيخ؟!
فقال: ما حَدَّث به الشيخ خطأ.
فالشيخ كأنه تردد فدخل إلى بيته لينظر في كتابه الذي نسخه بخط يده، فخرج وهو يضحك فقال: أصاب الغلام. كيف الصواب يا غلام؟ يعني: أقر بأنه خطأ لكن يريد هل يَعرف الصواب.
فقال له البخاري: الصواب إبراهيم عن الزبير بن علي، ما هو: إبراهيم عن أبي سبيع، وإنما: إبراهيم عن الزبير بن علي.
قال: ما أدراك؛ كيف عرفتَ أن هذا هو الصواب؟
قال: لأن إبراهيم لا يروي عن أبي سبيع، وإنما يروي عن الزبير بن علي.
فيصل به الجزم بالصواب ومعرفة الصواب إلى درجة الجرأة بالرد على شيخ كبير في السن يُحدث الطلبة.
مثل هذه القصة تكفي لبيان مقدار العبقرية التي أُوتِيهَا الإمام البخاري في تلك الفترة المبكرة من عمره.
ثم بعد ذلك خرج للحج ووالدته - ووالده توفي وهو صغير - وأخوه، ومر ببعض المدن الإسلامية من طريقه إلى بخارى في خراسان في العراق، وسمع بها من عدد كبير من الشيوخ، ثم لَمَّا أرادت أمه أن ترجع مع أخيه إلى بخارى استأذنها الإمام البخاري في المُكث في مكة لطلب العلم، فأذنت له بذلك، فرجعوا إلى بلدهم ومَكَثَ هو في رحلته في طلب.
¥