تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتَلَقَّى العلم على عدد كبير جدًّا من الشيوخ يزيدون على ألف شيخ، وإن كان لم يُخْرِج في " الصحيح " قطعًا إلا على العدد يسير منهم ممن رضي عدالتهم وضبطهم، فكما يذكر الإمام البخاري أنه سمع من أكثر من ألف شيخ كلهم يقولون بـ: أَنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، يعني هؤلاء الأكثر من ألف شيخ كلهم من أهل السنة، ليس فيهم أحد من أهل البدع، فلو أضفت إليهم مَن لَقِيَهُمْ من أهل البدع لتضاعف هذا العدد.

من أبرز شيوخ الإمام البخاري:

وهم كُثُرٌ كما ذكرنا - شيخه علي بن المديني؛ علي بن عبد الله جعفر بن نجيح المديني، الإمام الشهير إمام العلل الذي كان يقول عنه الإمام النسائي: كأنما خُلق علي بن المديني بعلم العلل - أو بالعلل.

هذا الإمام الكبير وهو رأس علم العلل في بداية القرن الثالث الهجري تَتَلمذ عليه الإمام البخاري واستفاد من رواياته ومن فهمه وغوصه في علم العلل استفادة عظيمة، وكان يقول الإمام البخاري كلمته الشهيرة: ما استصغرتُ نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني.

يقول: ما هانت عليَّ نفسي ولا صَغُرت عليَّ نفسي عند أحد من العلماء إلا عند علي بن المديني، أَعْرِفُ مقدار جهلي أمام علمه، هذا مع أنه لقي الإمام أحمد ولقي يحيى بن معين، من هم أكبر من الإمام البخاري، وهم من شيوخه، يقول هذه العبارة في علي بن المديني لتعرف مكانة هذا الإمام في علم الحديث، وفي علم العلل، إلا أن علي بن المديني لما بلغته هذه العبارة، لما بلغته كلمة الإمام البخاري وأنه كان يقول: ما استصغرتُ نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني، قال: دعوه فإنه لم يَرَ مثل نفسه.

يعني يقول: هذه الكلمة - ما استصغرتُ نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني - يقولها البخاري تواضعًا، وإلا فهو أعلم مني، بل هو أعلم من جميع شيوخه. أي كل الذين رآهم من العلماء دونه في العلم، وهو أعلم من جميع من لقيهم.

ذكرنا من شيوخه: الإمام أحمد، وابن مَعِين، والحُمَيْدِي، وإسحاق بي رَاهَوَيْهِ، ومحمد بن يحيى الذُّهْلِي، وجماعة من أهل العلم هؤلاء من أعيانهم.

جَابَ بلدان العالم الإسلامي في الرحلة في طلب العلم، وتميز - كما ذكرنا - بحافظة باهرة وشهيرة، وقِصَصَه في ذلك أكثر من قصة، وكان إمامًا في أبواب كثيرة من أبواب الخير، وكان من العُبَّاد، لا يكاد يترك يومًا إلا ويتهجد لله عز وجل فيه، بل كان له في رمضان ختمتان: قراءة لنفسه يختم فيها كل ثلاثة أيام، يعني يقرأ كل يوم عشرة أجزاء؛ هذه لنفسه، وإذا أَمَّ بالناس يختم كل عشرة أيام؛ يعني يقرأ كل يوم عشرة أجزاء وأضف إليها تقريبًا ثلاثة أجزاء، فتقريبًا ثلاثة عشر جزءًا كل يوم؛ ثلاثة إذا أَمَّ بالناس وعشرة لنفسه.

وكان مضرَب المثل في الكرم والسَمَاحة والجود، هو الذي كان يقول: ما ماكس رجلٌ ولا ساوم في بيته، يعني إذا جاء يشتري يقول: هذه السلعة بكذا، مباشرة يدفع المبلغ دون أن يساوم، ويرى أن هذا مما يَحُطُّ بالمروءة وأنه لا ينبغي للإنسان أن يساوم، في أمور الدنيا يتساهل.

في الجهاد كان فارسًا، وهذا لعله لا يُعرف، يقول عنه تلميذه ووَرَّاقه محمد بن أبي حاتم: ما أخطأ سهم محمد بن إسماعيل قط، ولا سابقه أحدٌ إلا وسبقه أبو عبد الله؛ على الخيل يعني، فكان فارسًا شجاعًا يُرابط على الحدود.

وفي يوم من الأيام وهو على الرباط على الحدود نام نومًا عميقًا فَعَجِبَ تلميذه من هذه النومة لأجل أن يقوم الليل، فقال له: يا أبا عبد الله فِعْلت اليوم لم أعهدكَ أن تفعله. فقال: إننا على الثغر وأخشى أن يُباغِتَنا العدو، فلا بد أن أكون في قوة واستعداد وتَأَهُّب لمواجهة الأعداء. فلم ينم إلا لأجل أن يتقوى الجهاد وعلى مواجهة أعداء الله عز وجل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير