كأن الأمر يتكلم عن غائب مجهول، الذي أظنه أن هذا راجع إلى لاختلاف روايات صحيح مسلم، فكانت عنده رواية هي التي اعتمد عليها، وربما هناك رواية أخرى توجد فيها أحاديث لا توجد في الرواية التي عنده، وقد يؤيد ذلك ما ذكرناه من انتقاد ابن عمار الشهيد لأحاديث ثلاثة نسبها إلى مسلم صراحة وهي غير موجودة في صحيح مسلم، يعني هذا الشاهد قد يؤيد أن هناك روايات في صحيح مسلم تختلف فيها أعداد الأحاديث أو يوجد هناك أحاديث غير موجودة في الروايات الأخرى، وعليه يمكن أن نقول:
وعليه فإن شرط الحاكم يتلخص فيما يلي:
1 - أن تكون الأحاديث صحيحة غير موجودة في الصحيحين، فإن كان رجال الأحاديث رجال الشيخين أو أحدهما فهذه أولى بالإخراج من غيرها.
نقف عند العبارة الأولى:
أن تكون الأحاديث صحيحة غير موجودة في الصحيحين.
الأول: أن تكون صحيحة، هذا شرطه الأول، ولاشك هذا هو معنى تأليفه كتاب " المستدرك على الصحيحين" ويظهر هذا من كلامه في المقدمة الذي ذكر فيه غرضين للتأليف، وهي الزيادة ورد على أهل البدع.
لكنه مع اشتراطه الصحة قد يخرج أحاديث هو نفسه يعلم أنها غير صحيحة، وهو نفسه ينبِّه على ضعفها، ولذلك صور متعددة أذكر منها ما يلي:
أنه قد يخرج ما لا يصح عنده لبيان علته مثل البخاري ومسلم، كما فعل ذلك في حديث ?? لَا مَهْدِيَّ إِلَّا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ?? فإنه أخرجه، ولم يصححه، وقال عقبه: " إنما ذكرته تعجبًا لا محتجًا ".
يقول: أخرجت هذا الحديث متعجبًا منه لا بغرض الاحتجاج، فبيَّن هنا أنه لم يخرجه معتقدًا صحته، وإنما خرَّجه ليبين ما فيه من علة، وقد وضَّح العلة وضوحًا قويًا.
وقد يذكر الحديث ويبين أو يشير إلى ضعفه، ويقول: إنه قد أدت الضرورة إلى إخراجه، وهذه تحتاج إلى دراسة فعلها في أكثر من موطن، مثل حديث أخرجه في كتاب " التفسير" ثم قال: أدت الضرورة إلى إخراج هذا الحديث، والذي يظهر لي أن هذا الحديث أخرجه لأنه لم يجد حديثًا مرفوعًا في تفسير هذه الآية إلا هذا الحديث، فأورده مع علمه بضعفه مُنبِّهًا على ضعفه.
مثال آخر:
أنه أورد ستة أحاديث في كتاب " البيوع " متعلقة بتحريم التسعير ورفع الأسعار على الناس في البيع والشراء وكذا، ستة أحاديث، ثم بيَّن أن هذه الستة كلها غير صحيحة، وقال: إنما أخرجتها لأن الناس يعيشون في ضيق وضغط وضنك في هذه الأيام، وأحببت إني يعني أرهب الذين يُعسِّرون على الناس في مثل هذه الحالة، حالة قحط وفقر وجوع، فأراد إخراج هذه الأحاديث من باب الوعظ والتذكير بها، ولكن للأسف الشديد أن هذه الأحاديث أغلبها شديدة الضعف.
المقصود: أنه بيَّن ضعفها وأنها غير صحيحة عنده وأنه إنما أخرجها مراعاة لواقع الناس في زمنه، فهذا غرض من أغراض إخراجه للحديث الضعيف، وهو غرض غريب، لا أعرف أنه تحقق مع غيره من أهل العلم، أخرجها لأنه لمجرد إن زمنه كان فيه شيء من الغلاء والفقر فأراد أن يقاوم هذا الغلاء والفقر بهذه الموعظة.
نقول أن تكون الأحاديث صحيحة غير موجودة في الصحيحين، وذكرنا أنه قد يخرج الحديث الموجود في الصحيحين مع علمه بذلك، بعض الأحيان مع عدم علمه، وبعض الأحيان مع علمه بذلك.
ومن ذلك حديث أخرجه في الصحيحين وهو موجود في الصحيحين، وقال أخرجته لأني لم أجد لأبي سلمة عن رسول الله (مسندًا غير هذا، أبو سلمة أحد الصحابة الذين ذكرهم في كتاب " معرفة الصحابة " فجاء يريد أن يترجم لهذا الصحابي لم يجد له حديثًا مرفوعًا صحيحًا إلا الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم، وهو يريد أن يُعرِّف بهذا الصحابي، يقول: أخرجت هذا الحديث لأني لم أجد لهذا الراوي حديثًا مرفوعًا إلا هذا الحديث وإن كان موجودًا في الصحيحين، ومع ذلك أنه قد يخرج أحاديث يعرف أنها في الصحيحين لغرض ما، إما لأنه لم يجد في الباب ما يدل عليه أو لغير ذلك.
نحن قلنا بأن شرطه الأساسي أن يخرج الحديث الصحيح مطلقًا، فإن كان هذا الحديث الصحيح على شرط الشيخين فهذا أولى وأولى أن يخرجه، يعني: أعلى شرط له أن يكون رجاله رجال الشيخين، فإن لم يتحقق ذلك فيخرجه ولو كان رجاله ليس برجال الشيخين، ولذلك نجده في كثير من الأحيان يقول: صحيح دون أن ينسبه إلى الشيخين، يعني إلى شرط الشيخين أو أحدهما أو إلى رجال الشيخين أو أحدهما.
¥