تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهنا أُنَبِّه إلى قضية مهمة تجاه هذا التاريخ، وهي أن لقاء الإمام مسلم بالبخاري إنما كان سنة مائتين وخمسين؛ لأن الإمام البخاري ورد نيسابور سنة مائتين وخمسين، فكان هذا هو أول لقاء للإمام مسلم به، ولعل هذا أحد ما يبين لنا السبب الذي من أجله لم يروِ الإمامُ مسلم عن البخاري في كتابه " الصحيح "؛ لأنه إنما ورد نيسابور ولقاءه بالبخاري كان بعد أن انتهى من تأليف " الصحيح "؛ هذا جواب على من قد يسأل: لما لم يُخْرِج مسلمٌ عن البخاري في كتابه " الصحيح " مع شدة إجلاله له وتعظيمه له إلى وفاة البخاري؛ إلى أن توفي، حتى - كما قلنا - أنه ابتُلي البخاري وربما خَطَّأَهُ بعض تلامذته، إلا مسلمًا وقلة من الرواة استمروا على وفائهم لشيخهم إلى أن توفي الإمام البخاري، وكان يزوره في بلده نيسابور وحتى بعد خروجه منها إلى أن توفي الإمام البخاري، ومع ذلك لم يرو عنه شيئًا في " الصحيح " لأنه انتهى من تأليف " الصحيح " قبل لقاءه بالبخاري.


انتقى الإمام مسلم أحاديث كتابه من ثلاثمائة ألف حديث، وتمتاز فترة تأليفه لكتابه أنه ألفه في بلده نيسابور وفي حياة كثير من شيوخه كما ذكرنا، وعنده أصولُه كاملةً، يعني ما كان يكتب من حفظه وإنما يكتب من أصوله، وهذه أحد مزايا " صحيح مسلم " على " صحيح البخاري " كما يأتي؛ البخاري ربما سمع الحديث بالحجاز ويكتبه بالشام، وربما سمعه بالشام ويكتبه بالعراق، يعني كان يؤلف الصحيح أثناء رحلته، أما مسلم فألفه أثناء مُكثه بنيسابور وفي حالة وجود كتبه وشيوخه، حتى لو شك في رواية أو في كلمة يمكن يراجع بعض شيوخه في بعض الأمور، ولذلك يتميز " صحيح مسلم " بالدقة في قضية سياق ألفاظ الأسانيد والمتون في صحيحه الذي نتكلم عنه.
أول كلمة في هذا العنوان: " المسند ".
وسبق الكلام عنها وعن دلالتها وهو أنه المرفوع المتصل، وذكرنا أن الإمام البخاري قد ذكر بعض الموقوفات في صحيحه، وأما مسلم فإنه ذكر بعض الموقوفات والمقطوعات، لكنه أقل من البخاري بكثير في هذا الجانب، إلا أن بعض أهل العلم وهو ابن الصلاح لما ذكر الفروق بين البخاري ومسلم قال من بين الفروق أو من بين الأمور التي فُضل بها " صحيح مسلم " عن " صحيح البخاري " قال: " إنه لا يوجد فيه بعد مقدمته إلا الحديث المسند الصحيح الْجَرد دون أن يضيف إليه شيئًا آخر ".
ففهم بعض أهل العلم من هذه العبارة أنه ليس بـ" صحيح مسلم " أحاديث موقوفة، ولذلك أَلَّف الحافظ ابن حجر كتابًا سماه: " الوقوف على ما في صحيح مسلم من الموقوف "، وأورد في هذا الكتاب مائة واثنين وتسعين أثر موقوف على الصحابة والتابعين، لكن غالب هذه الآثار لم يوردها الإمام مسلم أصالةً، وإنما يكون كلامًا للصحابي؛ إما عقب روايته للحديث أو قبل روايته للحديث المرفوع بما فيه من كلام الصحابي، فيذكرها الإمام مسلم كما سمع.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير