تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولو أنه أكمل كلامه لظهر المقصود حيث يقول ابن حبان: " وإنما كان ذلك منه على حسب ما لا ينفك منه البشر، ولو ترك حديث من أخطأ من غير أن يفحش ذلك منه، لوجب ترك حديث كل محدث في الدنيا، لأنهم كانوا يخطئون ولم يكونوا بمعصومين، بل يحتج بخبر من يخطئ ما لم يفحش ذلك منه، فإذا فحش حتى غلب على صوابه ترك حينئذ، ومتى ما علم الخطأ بعينه، وأنه خالف فيه الثقات ترك ذلك الحديث بعينه، واحتج بما سواه، هذا حكم المحدثين الذين كانوا يخطئون ولم يفحش ذلك منهم " انتهى بتمامه.

فهذا من ابن حبان توثيق للرجل، ودليل على قلة خطئه، لذا قال في مشاهير علماء الأمصار (1484): " ربما وهم "، وهذا يعني أنه وقف له على أوهام قليلة معدودة، لا تخرج الرجل عن زمرة الثقات، يؤكد هذا المعنى ما قاله ابن عدي في كامله (6/ 454) عن معقل حيث يقول: " ومعقل هذا هو حسن الحديث، ولم أجد في أحاديثه حديثاً منكراً فأذكره إلا حسب ما وجدت في حديث غيره ممن يصدق [ويغلط] في حديث أو حديثين ".

فهو إذاً صدوق، إن لم نقل ثقة، كما قال أحمد وابن معين وابن المديني، إلا أنه لم يكن في الطبقة العليا، فقد كان ممن يخطئ، وانظر مثالاً على خطئه مما خالف فيه الثقات في العلل لابن أبي حاتم (1/ 291).

وحاصل ما تقدم أن معقل بن عبيد الله إذا لم يخالف غيره من الثقات ممن شاركه في رواية الحديث عن شيخه فروايته حينئذ صحيحة مقبولة محتج بها، وقد احتج به مسلم هنا كما ترى.

وهو معروف بالرواية عن أبي الزبير المكي، وإن كان جزرياً، قال ابن عدي: "ولمعقل هذا عن أبي الزبير عن جابر نسخة يرويها عنه الحسن بن محمد بن أعين عن معقل"، فهى نسخة موثوقة صحيحة إلا ما ثبت فيه أنه خالف غيره من الثقات.

وهو هنا في هذا الحديث لم ينفرد بهذا الإسناد عن أبي الزبير كما يشير إليه كلام البزار، لكنه قد توبع عليه ممن يعتبر به، ويصلح في المتابعات.

فقد رواه ابن لهيعة قال: حدثنا أبو الزبير، عن جابر، أن عمر بن الخطاب أخبره: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً توضأ لصلاة الظهر، فترك موضع ظفر على ظهر قدمه، فأبصره النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ارجع فأحسن وضوءك»، فرجع فتوضأ ثم صلى.

أخرجه ابن ماجه (666). وأبو عوانة (1/ 213/693). وأحمد (1/ 21و23). وابن الجوزي في التحقيق (1/ 164/156و157).

تنبيه: وقع في رواية ابن ماجه: فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة، وهى رواية شاذة تفرد بها زيد بن الحباب، أو تكون من تخليط ابن لهيعة، والله أعلم.

وهذا الحديث قد أعله أيضاً بعد البزار: ابن عمار الشهيد وأبو علي النيسابوري.

قال ابن حجر في النكت الظراف (8/ 16 - بهامش التحفة): " وقد أعل بعض الحفاظ صحته، فقد نقل الدقاق الأصبهاني الحافظ عن أبي علي النيسابوري أن هذا الحديث مما عيب على مسلم إخراجه، وقال: الصواب: ما رواه أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: رأى عمر في يد رجل مثل موضع ظفر ... فذكره موقوفاً. قال أبو علي: هذا هو المحفوظ، وحديث معقل خطأ، لم يتابع عليه ".

وقال ابن عمار الشهيد في العلل (5): " ووجدت فيه من حديث ابن أعين، عن معقل، عن أبي الزبير، عن جابر، عن عمر بن الخطاب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه ... ، وهذا الحديث إنما يعرف من حديث ابن لهيعة عن أبي الزبير بهذا اللفظ، وابن لهيعة لا يحتج به، وهو خطأ عندي، لأن الأعمش رواه عن أبي سفيان عن جابر فجعله من قول عمر ".

قلت: هو صحيح ثابت من الوجهين مرفوعاً وموقوفاً، وكما بينا لم ينفرد به معقل عن أبي الزبير [وهو ثابت عن معقل]، بل تابعه ابن لهيعة، وهو صالح في المتابعات، فالحديث محفوظ عن أبي الزبير.

وعلى هذا فيكون الاختلاف قد وقع بين أبي الزبير، وأبي سفيان طلحة بن نافع، رفعه أبو الزبير، ووقفه أبو سفيان، وأبو الزبير أعلم بحديث جابر من أبي سفيان، وأكثر منه رواية عن جابر، وسماعه من جابر أكثر بكثير مما سمع أبو سفيان من جابر، فقد سمع طلحة بن نافع من جابر أربعة أحاديث فقط، والباقي صحيفة، وهى صحيفة سليمان بن قيس اليشكري التي أخذها أبو الزبير وأبو سفيان فرويا منها أحاديث جابر، وهى وجادة صحيحة، احتج بها مسلم وغيره.

وقد قال كل من: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي: " أبو الزبير أحب إليّ من أبي سفيان "، فهو مقدم عليه في جابر [انظر: الجرح والتعديل (8/ 76). التهذيب (7/ 416)].

وعليه فإن رواية أبي سفيان الموقوفة لا تعل رواية أبي الزبير المرفوعة.

والصواب مع الإمام مسلم في تصحيح رواية أبي الزبير والاحتجاج بها، وأما البزار وابن عمار الشهيد وأبو علي النيسابوري فقد جانبهم الصواب في هذا.

والإمام الدارقطني أعلم بالعلل من هؤلاء الثلاثة؛ ومع هذا فلم ينتقد هذا الحديث فيما انتقده على مسلم في التتبع، مما يدل على موافقته له في تصحيحه، أو يكون داخلاً فيما عناه بقوله: " ولم يخرج البخاري لأبي الزبير شيئاً، وبقي على مسلم من تراجم أبي الزبير حديث كثير، ومن حديث الأعمش عن أبي سفيان أيضاً " [التتبع ص (370)].

والله الموفق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير