صحته).
وساق ابن الأزرق أمثلة كثيرة فيها أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برؤاه ورؤى الصحابة, ثم قاس على ذلك غيره , وخلص إلى جواز أخذ غير النبي صلى الله عليه وسلم بالرؤى في العقائد والأحكام, ولم يلحظ الفرق بينه وبين غيره. فالنبي صلى الله عليه وسلم مؤيد بالوحي, ولا يقر على خطأ, وتصديقه برؤى أصحابه معصوم بوحي الله تعالى, فإقرار الله تعالى له دليل على صدقها. فكيف يعلم غيره ذلك, وقد انقطع الوحي. هذا مربط الفرس كما يقال. والله الموفق.
الدليل الرابع
عمل الصحابة بالرؤى
قلت: (قال ابن القيم: (هذا من الفقه الذي خصهم الله به دون الناس) الروح (ص24))
الشاهد الأول: إنفاذ وصية ثابت بن قيس
قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري , رواه ابن أبي عاصم في الآحاد [3/ 465] والطبراني في الكبير [2/ 65] والحاكم [3/ 260] وابن حجر في التغليق [3/ 436] , وأصله في صحيح البخاري [3/ 1046]
أما قوله: (على شرط البخاري) فكذب, فإنه من المعلوم عند المبتدئين في علم الحديث أن البخاري لم يرو له في صحيحه لأجل أنه ساء حفظه بأخرة, وإنما روى له مسلم من حديثه انتقاء, قال البيهقي رحمه الله كما في التهذيب: (لما كبر ساء حفظه, فلذلك تركه البخاري, وأما مسلم فاجتهد وأخرج من حديثه عن ثابت ما سمع منه قبل تغيره). وهذا من أمثلة التزوير من ابن الأزرق.
وقوله: (رواه ابن أبي عاصم) كذب, فابن أبي عاصم لم يرو الحديث بهذا اللفظ من طريق حماد عن ثابت, إنما رواه من طريق عطاء عن بنت ثابت بن قيس كما سيذكر هو بعد هذا.
وأما قوله: (وأصله في صحيح البخاري) فتدليس, فإنه كان ينبغي له أن يبين أن هذا الأصل الذي أشار إليه من رواية موسى بن أنس عن أنس, وأنه ليس فيه ذكر للوصية, فتأمل.
قال: وله شاهد صحيح مطول فعن عطاء الخراساني ... وذكر الرواية كلها
قلت: الصحة متوقفة على معرفة شيخ الحاكم أبي العباس محمد بن يعقوب. ولم أجد من ترجم له, وفي هذه الرواية زيادة عجيبة, وهي كلمة قالها ثابت بن قيس لمن رآه في المنام بعد وصيته, ولفظها إن صحت: (وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه).فباعتبار هذه الكلمة, فإن الرائي له في المنام لم يذكر لأبي بكر وخالد أنها وصية منامية, وعلى هذا , فإنهما لم ينفذا الوصية المنامية, بل أنفذا ما أوهمهما الرائي أنها وصية أوصى بها ثابت قبل موته, فالرواية إن صحت حجة عليه لا له, فإن ثابتا أوصى الرجل أن لا يخبرهم بأنها وصية منامية خوف أن لا تنفذ, وهذا يدل على أنه كان معلوما عنده أن الوصية المنامية لا تنفذ, فلا يبقى لابن الأزرق متمسك بها وقد صححها أو حسنها. فعجبا من فهمك يا ابن الأزرق. نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك الفهم في دينه.
ومما يدل على نكارة هذه الرواية أنها ذكرت أن ثابتا أمر الرائي له بكتم كون الوصية مناما كذبا وتدليسا وزورا, وهو محال في حق صحابي كثابت إن كان المرئي ثابتا. وقد ذكر ابن بشكوال في الغوامض (2/ 834) أن الرائي هو بلال بن رباح, فهل يجوز لبلال أو غيره أن يوافق على الكذب.
فيلزم ابن الأزرق شيئان: إما أن يتراجع عن تصحيح الرواية ليسلم من تبعاتها, وإما أن يصححها فيبطل استدلاله.
قال: فانظر رحمك الله إلى عمل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأصحابه برؤيا رجل من المسلمين, إنهم تصرفوا بناء عليها في ميراثه , وهو من أخطر الأمور.
قلت: هيهات يا ابن الأزرق, قد فاتك شيء مهم جدا, وهو أننا نجهل ظروف إنفاذ أبي بكر للوصية المنامية إن صح أنه أنفذها على أنها منامية, وإلا فقد صحح ابن الزرق رواية عطاء. قال الشاطبي في الموافقات (2/ 203): (ما روي أن أبا بكر رضي الله عنه أنفذ وصية رجل بعد موته برؤيا رؤيت فهي قضية عين لا تقدح في القواعد لاحتمالها, فلعل الورثة رضوا بذلك, فلا يلزم منها خرم أصل.)
¥