وكذلك إذا قلنا: (فلان من الطبقة الفلانية) فلا يلزم أن يكون مؤهلاً للسماع من كل الرواة الذين سمع منهم أهل طبقته؛ وهذا أوضح من الذي قبله؛ فموانع السماع من المعاصرين كثيرة جداً، والمعاصرة وحدها بعيدة عن أن تكون كافية لحصول السماع، ولكن المعاصرة المعتبرة تكون سبباً لإمكانية السماع، أو شرطاً من شروطِ تحققه.
والحقيقة أن تعيين طبقة الراوي الزمنية هو محاولة لتحديد عمره الحديثي (إذا استقامت العبارة)، أي تحديد بداية ونهاية تحملِه، وتحديد بداية ونهاية أدائه لما تحمله.
ولما كان تعيين تواريخ هذه الحدود الأربعة غير ممكن أو غير متيسر، في كثير من الأحيان، احتاج العلماء إلى معرفة ما يدل على تلك الحدود دلالة تقريبية تخمينية، فلذلك استعانوا في هذا الباب بما يلي:
1 - معرفة تاريخ ولادة الراوي.
2 - معرفة تاريخ وفاته.
3 - معرفة بلده وتواريخ رحلاته وكل ما يدل على الطلب أو على عدمه.
4 - معرفة وفيات شيوخه ومن روى عنهم.
5 - معرفة تواريخ ولادات تلامذته.
6 - معرفة بلدان ورحلات هؤلاء التلامذة وأولئك الشيوخ.
7 - معرفة عرف أهل ذلك البلد في بدء التحمل وبدء التحديث.
وأعبر عن بعض ما تقدم بعبارة أخرى:
يحتاج النقاد، من أجل نقد الأسانيد، إلى معرفة ما سمعه كل راو من شيوخه، مما لم يسمعه، وكذلك معرفة مكان السماع أو وقته، إذا كان الشيخ ممن اختلط في آخر عمره أو تغير حاله في الرواية.
ولما كان ذلك غير متيسر في كثير من الأوقات تطلبوا معرفةً هي أقل تفصيلاً مما تقدم، مثل أن يعلموا أن الراوي سمع من شيخه الفلاني في بغداد فقط، أو سمع منه الكتاب الفلاني فقط، أو سمع منه ثلاثة أحاديث فقط.
فإن لم يتيسر ذلك أحياناً احتاجوا إلى تمييز شيوخه الذين سمع منهم في الجملة، أعني تمييزهم عن غيرهم ممن لم يسمع منهم، وقد وردت له عنهم روايات من غير واسطة، أو غيرهم ممن قد يُظن أنه سمع منهم بسبب المعاصرة مثلاً؛ واحتاجوا أيضاً إلى معرفة حاله من حيث تعاطيه التدليس أو انعدام ذلك عنده.
فإن لم تتيسر معرفة كونه سمع في الجملة من شيخ روى عنه، أو لم يسمع منه، ظهرت حينئذ الحاجة إلى معرفة طبقة ذلك الراوي بين المحدثين، إذ فيها دلالة مجملة على تعيين طبقة شيوخه وطبقة تلامذته.
فإن لم يتيسر ذلك أيضاً أو لم يكن كافياً احتيج إلى معرفة تاريخ ولادة الراوي، لتكون معرفتها بدلاً مما تقدم وأهمه وأفضله وأقربه معرفة تاريخ شروعه بسماع الحديث.
وبهذا يتبين أن معرفة تاريخ ولادة الراوي ووفاته ليست مطلوبة لذاتها بل لتدل دلالة تقريبية على طبقته أو على إمكانية اتصال السند بينه وبين غيره من الرواة فوقه أو دونه.
فإذن لا نستغني بمعرفة تاريخ ولادة الراوي عن معرفة تاريخ بدئه بسماع الحديث، إلا عند عدم تيسر معرفة هذا التاريخ، أي تاريخ البدء؛ وكذلك لا نستغني بمعرفة تاريخ وفاة الراوي عن معرفة تاريخ توقفه عن إسماع الحديث وأدائه إلا إذا لم يتيسر لنا الوقوف على ذلك التاريخ، أي تاريخ التوقف.
ولكن الأغلب في الواقع هو عدم معرفة تواريخ البدء بالسماع والتحديث، والانتهاء منهما أو التوقف عنهما، فاستعاض المؤرخون عن هذه المطالب بما تقدم لأنه من أسباب الدلالة عليها، وإنما قلت: (من أسباب الدلالة---)، ولم أقل (يدل) لأنه لا يدل وحده، بل يدل مع ضمائم أخرى أهمها العرف العام أو عرف أهل البلد في عمر الطالب عند بدء الطلب واختتامه وعمر الشيخ عند بدء التحديث وانتهائه.
تمثيل افتراضي لبعض ما تقدم:
لو اتفق علماء الحديث أن زيداً من الرواة لم يسمع إلا من أبيه، ولم يسمع منه إلا ابنه، فهل توجد ضرورة أو حاجة ملحة إلى معرفة سنة وفاته؟
الجواب: لا؛ ولكن معرفة سنة الولادة أو الوفاة قد تكون نافعة جداً في دفع حجج المعاندين، أو بيان أوهام الواهمين؛ فلو زعم بعض الناس أن زيداً المذكور سمع من فلان من المشايخ غير أبيه، رُدّ قوله بأنهما لم يتعاصرا فإن زيداً ولد بعد وفاة ذلك الشيخ، كما يدل عليه التاريخ؛ فهذا كما ترى أقطع لذلك القول وأوضح إبطالاً له من أن نحاول رده بقول من قال من العلماء أن زيداً لم يسمع إلا من أبيه.
تنبيه:
العلم المجمل يحتاجه أهل العلم في كثير من الأحيان فلا يستغنى عنه في تلك الأحوال بالعلم المفصل، مثل أن يكون المقام مقام إجمال أو مقام تعليم المبتدئين في ذلك العلم أو نحو ذلك من المقامات التي لا يناسبها التفصيل.
وأخيراً، فهذا ما تيسر الآن، ولعل الله تعالى ييسر على يدي أو يد غيري من إخواننا توسعاً أو زيادة في الإفادة؛ ومن الله التوفيق.
ـ[أسامة]ــــــــ[20 - 11 - 06, 11:34 م]ـ
شيخنا الفاضل (محمد خلف)
اسأل الله ان يرزقني وإياك الفردوس الأعلى من الجنة .. الحمد لله ان هيء لهذه الأمة أمثالكم .. واسأله كذلك ان ينفعني بما ذكرت
أسامة
¥