وعلى هذا يظهر رجحان ما تعقب به الشيخ سليمان، على الإمام الذهبي في كونه، ثقة مقبول الحديث، وكأن الشيخ سليمان في توثيقه لهذا الراوي، يذهب إلى قبول تعديل الإمام الواحد للراوي، وأن فيه كفاية.
وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، حيث قال بعضهم، لا بد من تعديل اثنين، وذلك لأن التزكية صفة فتحتاج في ثبوتها، إلى عدلين كالرشد والكفاءة، وقياساً على الشهادة في حقوق الآدميين.
والراجح أنه يكفي تعديل الإمام الواحد؛ قياساً على قبول خبر الراوي الثقة عند تفرده ()، قال الخطيب البغدادي:
«وقال قوم من أهل العلم: يكفي في تعديل المحدث، والشاهد، تزكية الواحد، إذا كان المزكي، بصفة من يجب قبول تزكيته. والذي نستحبه أن يكون من يزكي المحدث اثنين للاحتياط، فإن اقتصر على تزكية واحد أجزأ، يدل على ذلك أن عمر بن الخطاب، قبل في تزكية سُنَيْن أبي جميلة قول عَرِيفه، وهو واحد» ().
وعبد الله بن مُنَينْ ليس له في الكتب سوى حديث واحد.
أخرجه أبو داود ()، وابن ماجه ()، والبيهقي ()، والفسوي ()، والمزي () وابن عبد الحكم () عن سعيد بن أبي مريم، عن نافع بن يزيد، عن الحارث بن سعيد العُتَقِي، عن عبد الله بن مُنَينْ، عن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المُفصَّل، وفي الحج سجدتان».
قلت: هذا إسناد ضعيف، الحارث بن سعيد العُتَقِي مجهول الحال، قال ابن القطان الفاسي: لا يُعرف له حال ()، وقال الذهبي:
لا يعرف ()، ورواه ابن لهيعة، وخالف في إسناده ومتنه، فقد أخرج الطبراني () وعنه الحافظ المزي ()،عن سعيد بن أبي مريم، عن ابن لهيعة، عن سعيد بن الحارث العُتَقِي، عن عثمان اليَحْصُبِي، عن عمرو بن العاص، قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد في (اقرأ باسم ربك) و (إذا السماء انشقت)».
وهذا إسناد ضعيف، سعيد بن الحارث العُتقي، مجهول الحال، وابن لهيعة ضعيف، وبهذا يعرف، أن الحديث من طريقيه ضعيف.
2 – قال الإمام الذهبي: «عبد الحكم بن مَيْسَرة، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: «مارُئي رسول الله صلى الله عليه وسلم ماداً رجيله بين أصحابه». رواه محمد بن أسلم الطُوسي عنه. قال أبو موسى المديني: لا أعرفه بجرح ولا تعديل» ().
قال الشيخ سليمان: «حدث عبد الحكم بن مَيْسَرة، أبو يحيى المروزي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً:
«الناس شُركاء في الماءِ والكلأ والملحِ» قال الدارقطني في (الغرائب): «يحدث بما لا يتابع عليه، أخرجه أبو عبد الرحمن ـ يعني النسائي ـ في كتاب الضعفاء» ().
قلت: الإمام الذهبي لم يتعقب أبو موسى المديني،وكأنه منه إقرار، وقد قال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان) بعد نقله لكلام الذهبي، ومتعقباً على أبي موسى المديني: «وقد عَرَفه غيره، قال الدارقطني في (غرائب مالك):
حدثنا الوزير أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفُرات، حدثنا محمد بن موسى بن يعقوب، حدثنا النسائي، أخبرنا محمد بن علي بن حرب المروزي، حدثنا أبو يحيى عبد الحكم المروزي، وكان ضعيفاً، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رفعه:
«الناس شُركاءُ في الماءِ والكَلأ والملحِ والنارِ» ثم قال:
هو عبد الحكم بن مَيسرة أبو يحيى، يحدث بما لا يتابع عليه، أخرجه أبو عبد الرحمن ـ يعني النسائي ـ في كتاب (الضعفاء)» ().
وبهذا النقل النفيس من الحافظ، يعرف أن عبد الحكم بن مَيسرة ضعيف ويحدث بما لا يتابع عليه على ما قاله الدارقطني.
وبهذا أيضاً، يُعرف صواب ما تعقب به الشيخ سليمان، على الإمام الذهبي، ويظهر أن الشيخ سليمان نقل من (لسان الميزان).
واشتراك الناس في الماء والكلأ والنار، وردت فيه أحاديث صحيحة وضعيفة.
فمن الأحاديث الصحيحة، ما أخرجه ابن أبي شيبة ()، وأحمد () وأبو داود ()، والبيهقي ()، وأبو عُبيد ()، من طرق عن حريز بن عثمان، عن أبي خِداس حِبَّان بن زيد الشَّرْعَبي، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء، والكَلأ، والنار» وإسناده صحيح.
¥