[عودة إلى مذهب السلف في الحقيقة والمجاز]
ـ[محمد محمد يونس علي]ــــــــ[26 - 03 - 07, 10:29 م]ـ
إخواني أهل الحديث
لقد قرأت في بعض محاور المنتدى كلاما عن رأي السلف في الحقيقة والمجاز، ولإتمام الفائدة رأيت أن أشارك بمقتطف مما سبق لي أن كتبته في هذا الموضوع لعلّه يسهم في إثراء النقاش حوله:
. مراجعة ابن تيمية النقديّة لثنائية الحقيقة والمجاز
لقد سلّم اللغويون والفلاسفة عامّة منذ أرسطو حتى الآن بالتفريق التقليدي بين المعنى الحرفي والمعنى المجازي، بيد أنه في الحقبة الأخيرة هناك نزعة نامية عند البراغماتيين وفلاسفة اللغة والباحثين في الذكاء الاصطناعي نحو التشكيك إما كليا أو جزئيًا في هذا التفريق. فسبيربر Sperber وويلسون Wilson مثلا يصرحان بأنه "من الممكن أنه قد قُدّر لفكرة الاستخدام المجازي tropes بأكملها، وكذلك تصنيفها، أن تذهب بالطريقة نفسها التي سلكتها فكرة السوائل الفاعلة humors في الطب] وهي الاعتقاد بوجود أربعة أنواع من السوائل الأساسية تحدد حالة الشخص العضوية والنفسية [ ... ]. وبقطع النظر عن وجود التجاهل، ثمة أسس قوية لرفض فكرة المعنى المجازي".
ومن النقاط الجديدة التي أضيفت حديثًا إلى البحث في المجاز هو السؤال: آلمجاز قضية معنى أم قضية استعمال؟ وبعبارة أخرى: آلمجاز موضوع لعلم الدلالة أم لعلم التخاطب؟ لقد ألحّ سيرل Searle– في احتجاجه ضد الآراء التقليدية، ولصالح نظرية مقبولة في المجاز- على ضرورة التفريق بين ما يسميه معنى قولة المتكلم، ومعنى الكلمة أو الجملة. وقد عزا سيرل الخلل المتأصّل في النظريات التقليدية للمجاز إلى إخفاقها في تفهّم هذا الفرق، ومحاولتها "موقعة المعنى المجازي في الجملة أوفي زمرة ارتباطات ما بالجملة". [ ii] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn2) وكذلك اعتقد دفيدسون Davidson أن "المجاز –خلافا للحقيقة التي يمكن أن تعزى إلى الكلمات أو الجمل بمعزل عن سياقات استعمال معينة-" [ iii] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn3) " لا يرتبط بالكلمات بل باستعمالها". [ iv] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn4)
وكما سيتضح لنا، فإن هذه المقاربات الحديثة –على الرغم من إسهاماتها الثورية- مازالت أقرب إلى التقليد الشائع في التراث الإسلامي منها إلى مقاربة ابن تيمية الجذرية؛ وذلك لأن افتراضاتهم الأساسية كالافتراض بأن المجاز مرتبط بالاستعمال، وليس مرتبطا بالمعنى اللغوي من مشمولات المعتقدات التي تقول بها النظرية التقليدية للمجاز في التراث الإسلامي. وما يميز نظرية ابن تيمية الجذرية هو تشديده على تحييد التفريق بين الحقيقة والمجاز ضمن أصول نظرية قائمة على السياق contextual framework.
وفي المباحث الثلاثة القادمة سنناقش ثلاث قضايا هي:
1 - رأي أنصار ثنائية الحقيقة والمجاز، وحججهم لتأييد هذا الفرق.
2 - حجج السلفية ضد هذا التفريق
3 - رأي ابن تيمية في المجاز.
1.8.4. رأي أنصار ثنائية الحقيقة والمجاز
النقطة الأولى التي ينبغي أن نستهل بها الحديث هنا هي أن الفرق بين الحقيقة والمجاز يشرح عادة اعتماداّ على فكرة الوضع. [ v] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn5) وقد عرّف أبو الحسين البصري المعتزلي الحقيقة بأنها "ما أفيد بها ما وضعت له في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به". [ vi] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn6) ووفقا لرأي أنصار ثنائية الحقيقة والمجاز (الذي هو رأي الجمهور في كتب أصول الفقه): إذا استعمل لفظ للتعبير عن أكثر من معنى، فإن هذا اللفظ قد يكون مشتركا، أو منقولا، أو مستعارًا. فالفرق بين المشترك –من ناحية-، والمنقول والمستعار –من ناحية أخرى-، قد يشرح من حيث العلاقة المعنوية. [ vii] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn7) فإذا كان هناك علاقة بين المعاني المختلفة للفظ متعدد المعاني، وُصف اللفظ بأنه إما منقول أو مستعار. فإذا لم يكن ثمة علاقة صنف اللفظ بأنه مشترك. ويحدد الفرق –بحسب رأي الأصوليين- بالنظر في الطريقة التي يظن بأن اللفظ وضع فيها لمعناه في الوضع الأول: فإذا تقرّر أن اللفظ وضع
¥