تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وطبقًا لابن تيمية، فإن الضمير "أنا" لم يستخدم مطلقًا قط؛ وذلك لأن المتكلم المجرد الكلي الذي هو قاسم مشترك بين جميع المتكلمين غير موجود في العالم الخارجي؛ إذ إن كل متكلم جزئي متميّز، ولذا فإذا أردنا أن نعرف المشار إليه، ومعناه، فإننا في حاجة إلى معرفة من هو المتكلم. [ lv] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn55) وكما أنه ليس هناك متكلم مجرد-في رأي السلفيين-، فكذا ليس ثمة جناح مجرد، ولا ذوق مجرد، ولا ظهر مجرد، ولا بيت مجرد، بل ما هو موجود في العالم الخارجي، وما يشير إليه المتكلمون في مخاطباتهم إنما هو الجناح المقيّد، والذوق المقيّد، والظهر المقيّد، والبيت المقيّد. تأمل الأمثلة الآتية:

(8) {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}. [ lvi] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn56)

(9) " { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}. [ lvii] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn57)

(10) { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم}. [ lviii] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn58)

فكلمة "جناح" في كل هذه الأمثلة مستخدمة استخدامًا مقيّدًا للإشارة إلى موجود معيّن في العالم الخارجي، وليس من عادة المتكلمين أن يستخدموا "الجناح" أو أي لفظ آخر على نحو مطلق؛ ولذلك فليس هناك فرق بين "أنا"، و"جناح" يسوّغ تضمينهما تحت أنواع مختلفة. ثم إن العلاقة بين "جناح" في معناه المجرد، والذل في "واخفض لهما جناح الذل" مشابه للعلاقة بين "جناح" و"طائر"، فلماذا إذن –والسؤال لابن تيمية- عُدّ لفظ "الجناح" حقيقة في الحال الثانية، ومجازًا في الحال الأولى مع أن المتكلمين يستخدمون كلاّ منهما في معناه المقيّد؟ فإن قال قائل-يضيف ابن القيم-: لكن "الذل" ليس له جناح، قلنا له: صحيح أن "الذل" ليس له جناح مغطى بريش، ولكن له جناح معنوي يناسبه. [ lix] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_edn59) وسوف لن أتعمق أكثر في مسألة سبب عدم عدّ السلفية "جناح الطائر" حقيقة، و"جناح الذل" مجازًا؛ لأنه نوقش سابقًا.

دعنا الآن نلخص هذه النقطة بالقول: إن القرينة هي العنصر الأساسي في تحديد المعنى المراد في كل قولة لغوية، ولاسيما في القولات التي تشتمل على مشكك، ومتواطئ، ومشترك. وإن كل زوج مما يسمى بالحقيقة والمجاز يمثل تنوّعين من لفظ مطلق أعم منهما. ومن ثمّ، فبدلا من القول: إن "جناح الطائر" حقيقة، و"جناح الذل" مجاز، يقول السلفيون: إن التعبيرين "جناح الطائر"، و"جناح الذل" تنوّعان مختلفان لـ"الجناح"، التي لها وجود ذهني فقط، و ليس لها وجود خارجي. وبعبارة أخرى، مثلما يمكن للفظ المشكك: "أبيض" أن يشير عند وجود القرينة المناسبة إلى بياض الثلج، وبياض اللبن، ويشير لفظ المتواطئ "رجل" إلى زيد، وعمرو، ويشير لفظ المشترك "المشتري" إلى المشتري [سلعة]، وإلى كوكب المشتري، فكذا لفظ الجناح يمكن أن يطلق بالتساوي على "جناح الطائر"، وعلى "جناح الذل" بشرط أن تحديد أي المعنيين هو المعنى المراد سيتوقف على القرينة.

ومن المفترض أن يكون لتفسير ابن تيمية للمجاز مزية واحدة في الأقل تفضله على تفسير أنصار المجاز، وهي مزيّة "كونه موضوعيًّا نسبيًا". وثمة ثلاثة أسباب في الأقل تجعل تفسير ابن تيمية للمجاز أكثر موضوعية من تفسير منافسيه:

1 - لكونه لا يفترض سبقا زمنيا لمعنى على الآخر،

2 - لكونه لا يدّعي أن أحد المعنيين أولى بأن يكون المعنى الأول للفظ من الآخر،

3 - لكونه لا يقول بأن الحمل على معنى ما من معنيي اللفظ أو معانيه بأولى من الحمل على آخر، بل يفترض أن الحمل المعزّز بقرينة هو المعنى الوحيد الممكن والمراد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير