وقد أجابَ عنه الشَّيخ أحمد البرزنجي المَدَنيُّ باحتمالات ضَمَّنها تأليفاً له صغيراً، سَمَّاه "إصابةُ شاكِلَة الدَّاهِي، إعْراب قول الموطَّإ: إنْ لَمْ يجد إلاَّ هِي"، هي الآنَ غير حاضِرَة لديَّ. وأذكُر أنِّي طالعتُها، فرأيتُ فيها تطويلاً، ورأيتُ الجوابَ/ فيها ضَئيلاً.
وقد أجاب أستاذُنا المحقِّقُ الشيخ سالِم أبو حاجِب -رحمه الله- قبلَه بوجهين:
أحدهما: أنْ يكون هذا من إنابَة ضَمير الرَّفع عن ضَمير النَّصْب، كقراءة مَنْ قَرَأ (إياك نعبد) بصيغة المجهول في "يعبد". وقد خَرَّج ابنُ مالك عليه ما وَقَع في المسألة الزَّنْبورِيَّة من قولهم: "فإذا هو إيَّاها"، والقِياسُ أنْ يقولوا: "فإذا هو هِيَ".
والوَجْه الثَّاني: أنْ يكون هذا الكلامُ خارِجاً على التَّوهُّم، وهو غَورٌ من أغْوار العربيَّة، فيكون رفعُ الضَّمير على توهُّم أنَّه بعد أنْ قال: "إنْ لَمْ يجد" -أي النَّاذر- خَطَرَ ببَالِه معنى: "إنْ لَمْ يوجد"، فرَفَع الضَّمير على ذلك التَّوهُّم. وفي ذلك حُسْنٌ، وهو دلالتُه على أنَّ المتكلِّم يَجولُ بنفسه معنى الفعل المتوهَّم، وهو المبنيُّ للمجهول، فيدلُّ على أنَّه يرى النَّاذِر أنْ يبذلَ جُهده للحُصول على بَدنة أو بقرة.
ونظيرُه قولُ العَرَب: "إنَّهم أجمعون ذاهبون"، وأشْباهه.
وقد رَدَّ على الشَّيخين سالِمٍ والبرزنجي الأستاذُ محمد محمود الشَّنقيطيُّ نزيلُ القاهرة برَدٍّ به فُضولٌ، وأجابَ هو بما هو غيرُ مقبول.
والحقُّ عندي: أنَّ اعتبار التَّوهُّم اعتبارٌ صَحيحٌ حَسَنٌ، وقد جَرَتْ له نَظائرُ في فَصيح الكلام، كقوله تعالى: (فيقول ربّ لَوْلا أخَّرتني إلى أجَلٍ قَريب، فأصَّدقَ وأكُنْ من الصَّالحين) بجزم "أكُنْ"، مع عَطْفه على "أصَّدقَ" المنصوب، على توهُّم أنْ يقول: "إنْ تؤخِّرْني، أكُنْ". ولأنَّه يشتَرِكُ فيه العربيُّ والمولَّدون، لأنَّه ناشِئٌ عن سَهْوٍ بخلاف غيره، فقد يُقال: إنَّه لا يُغتَفَر للمُولّد، إذْ ليس فيه حدّ يفرق به بين الخِطاب والقَصد. وقد وَقَع نَظيرُ هذا في كلام عربيّ، ففي البخاريِّ في كتاب الفِتَن: سمعتُ عمَّاراً يقول: "إنَّ عائشةَ لَزوجَةُ نبيِّكم، ولكن الله ابتلاكم ليعلَم إيَّاه تُطيعون أمْ هي"» اهـ.
كشفُ المُغَطَّى، من المعاني والألفاظ الواقعة في المُوَطَّا، ص/230 - 231.
ـ[منصور مهران]ــــــــ[03 - 04 - 07, 03:59 م]ـ
سَلِمَت يمنُك يا أبا إسحاق
وجزاك الله خيرا؛ فقد أسديت إليَّ الآن معروفَيْنِ:
الأول بتعريفك كتابا لم أره من قبل،
والثاني بالتثبت من صحة ما نقلتُ.
أكرر الشكر والتحية، والسلام.
ـ[أحمد محمود الأزهري]ــــــــ[07 - 04 - 07, 02:26 م]ـ
فوائد خاصة باللحن (1):
ليس فيما أنقله جديد، فقد قلتم فأجدتم، ونقلتم فأحسنتم، بارك الله في مجهوداتكم، وزادكم علما نافعا، ونفعنا بكم إن شاء الله، وإنما هو من باب اختلاف المبنى مع اتحاد المعنى:
1 - قد يأتي العالِمُ بما ظاهره اللحن، وله وجه صحيح، كما أشار أستاذنا الكريم أبو مالك العوضي عن قوله: "بأبا قبيس"؛ وقد قال همام: ما حدثتكم عن قتادة ملحونًا فأعربوه، فإن قتادة كان لا يلحن (2).
2 - وقد يأتي العالم باللحن كما سمعه، وإلى هذا المعنى أشار كذلك أستاذنا الفاضل أبو مالك العوضي في كون كثير من علماء العربية يتكلم بلسان العامة ويتعمد النطق باللحن؛ ومنه قول أبي الوليد الطيالسي: كان يزيد بن أبي عمر إذا حدث عن الحسن أعرب، وإذا حدث عن ابن سيرين يلحن (3).
وفي معجم الأدباء: وكان ابن سيرين يسمع الحديث ملحونًا، فيحدث به على لحنه (4).
3 - وقد يأتي اللحن بمعنى اللغة، كقول أبي بن كعب: تعلموا اللحن في القرآن كما تَعَلَّمُونه (5).
فالمراد باللحن هنا: اللغة، فالمعنى: "تعلموا كيف لغة العرب الذين نزل القرآن بلغتهم" (6).
وروى أبو عدنان عن أبي زيد أن معنى قول عمر: أبي أقرؤنا، وإنا لنرغب عن كثير من لحنه.
قال: لحنُ الرجل: لغتُه، وأنشدتني الكلبية:
وقوم لهم لحن سوى لحن قومنا وشكل –وبيت الله- لسنا نشاكله
...
(1) بتصرف يسير نقلا عن: أخبار النحويين لشيخ القراء أبي طاهر عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم المقرئ ت-349هـ. تقديم وتحقيق: أ. د./ محمد إبراهيم البنا الأستاذ المساعد في كلية اللغة العربية جامعة الأزهر، وبقية الهوامش نقلا عن هوامشه بالكتاب.
(2) الأثر في طبقات ابن سعد 7/ 2 - 2، والتهذيب 8/ 355.
(3) الأثر في التهذيب 11/ 312.
(4) ا/79.
(5) التهذيب للأزهري 5/ 62.
(6) السابق.