قلت: قد أصاب في جعل اختياره السيء من لحن العامة، و أيضا حيث استدل على الخطأ بالخطأ، لما بين ذلك من مشاكلة، و أخطأ حيث بنى كلامه واستدلاله على مقدمات كاذبة لا توصل إلى المطلوب.و لم يدر أن ما اختاره و دافع عنه دفاعا مستميتا هو من لحن العامة، و من الخطأ المذموم عند أهل العلم باللغة، و لقد كفى غيره مؤنة الرد فاعجب!.
وهذه هي المؤاخذة الرابعة.
أ هكذا يكون المجتهد المولد؟!. إن هذه الأوراق لأكبر شاهد على عامية مزمنة لا يرجى برؤها و لا علاج صاحبها!!
و قد قدمنا ما كتب في ذم اللحن فلا نعيده.
ومما جاء في تلك الرسالة: "و كتاب "مجمع اللغة العربية "! ينص في صحيفته التاسعة! أنه قصر همه على اللغة قديمها و حديثها و توسع في المصطلحات ... " قال: "وأقر كثيرا من الألفاظ المولدة و المعربة الحديثة وشدد في هجران الوحشي و الغريب وقد برهنت لجنة "مجمع اللغة العربية "على أن باب الاجتهاد مفتوح، كما هو مفتوح في الفقه و التشريع! وأن العربية في آن واحد حديثة و قديمة , وقد استعادت في القرن العشرين حياة و حركة لم يؤلفا فيها منذ عدة قرون " إهـ.
هذا الكلام الذي هو محض نقل وقع لناقله فيه أخطاء كثيرة.
الخطأ الأول- قوله: "كتاب مجمع اللغة العربية "فهذا الكتاب لم يوجد , ولا يمكن أن يقرأ ولا تكون له صفحات!!
إن مجمع اللغة العربية جمعية لغوية تأسست في مصر , غرضها خدمة اللغة العربية تتكون من أشخاص وليس من صفحات! فليس له صفحة تاسعة ولا عاشرة. و الصواب: كتاب "المعجم الوسيط " .. الخ , وهو كتاب أصدره "مجمع اللغة العربية بالقاهرة "!
الخطأ الثاني ــــ قوله:"في صحيفته التاسعة"! والصحيفة الورقة بصفحتيها، والصواب: "في الصفحة التاسعة ".
الخطأ الثالث ــ أنه تصرف في الكلام، و في مثل هذا ينبغي للناقل أن يبين أنه تصرف في الكلام، ليعلم الواقف عليه أنه لم يبق على تصنيف الأصل، و أنه قد دخله التغيير، و كثيرا ما يفسد النقلة الكلام بتصرفهم فيه، فيحسب من لم يعرف حقيقة الأمر أن ذلك من الأصل. لذا ينبغي أن يتوفر في ا لمتصرف في كلام الناس الشروط المتوفرة في الراوي بالمعنى، و أين هذا في صاحب الرسالة؟!!
الخطأ الرابع ــ أنه أبدل لفظ الحوشي بالوحشي مع أن الموجود في "المعجم" الحوشي، و معناها صحيح كما يعلم من كتب اللغة.
الخطأ الخامس: أن كلام المعجم موجه للمجتهدين أو المتخصصين في اللغة العربية، ولا مكان فيه للعاميين الذين يجهلون أبجدية اللغة العربية!.
و الذين باب الاجتهاد مفتوح لهم إنما هم أفذاذ من فرسان اللغة العربية الذين كانوا موجودين في القرن الهجري الماضي، الذي أسس فيه مجمع اللغة العربية في مصر. أمثال الشيخ احمد فارس الشدياق الذي من آثار أعماله في اللغة العربية "الجاسوس على القاموس "و "الساق على الساق "و "سر الليال في القلب و الإبدال "و "كشف المخبا عن فنون أوروبا "، و أنستاس ماري الكرملي صاحب "نشوء اللغة العربية "، و عبد السلام هارون الذي أثرى المكتبة العربية، فبلغ إنتاجه فيها ما بين تأليف و تحقيق واحدا وعشرين ومائة، و بمطالعة القسم الثالث من كتابه القيم "قطوف أدبية "الذي عنونه بعنوان "بيني وبين الشعراء "تتبين مكانة الرجل اللغوية، و تعلم كيف يكون المولد المجتهد في اللغة!!
و غير هؤلاء كثيرون و فيهم أهل الدرجة العليا و الوسطى و الدنيا المقبولة، ولا مكان بينهم للعاميين!
على أن التجديد الذي يقوم به "المجمع" هو عمل جماعي، قام به و عكف عليه نخبة من الناطقين بالضاد، ألف بينهم وشيجة حب اللغة العربية وخدمتها، فانصهرت أعمالهم في هذا المعجم و غيره، و مع ما لأسرة "المجمع" من حنكة و تجربة ميدانية واضطلاع بما يقومون به، يقبلون النصح إذا قدم لهم و يلتزمون بقبوله، و إلحاق كل ما يستدرك عليهم في الطبعة اللاحقة، فعليه أن يعمل بنصح "المجمع" إذا كان حقا يطبق نصيحته، و يقبل كل ما يقدم إليه من نصح!!
علما أن عمل "المجمع" عمل جماعي، و مثل هذا العمل له منعة تعصمه من الخطأ، أو تجعل خطأه أقل، بخلاف العمل الفردي؛ فإنه معرض للخطأ والخطل، و لا سيما إذا كان الفرد ممن يصدق عليه أنه "تزبب قبل أن يتحصرم"!
¥