وهاته المناسبة لا تعدو التماثل أو التضاد أو القرب من أحدها نحو زيد يكتب ويشعر. ((والسماء رفعها)) إلى قوله ((والأرض وضعها للأنام)) ([27] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn27)) بخلاف نحو زيد يكتب وينام. ويعطي وينظم الشعر. وخرجت من السوق وأبدع امرؤ القيس في شعره. وإن كان كل ذلك كلاما صادقا حتى كان العطف في المقام الذي لا توجد فيه المناسبة مؤذنا بمقصد كمقصد التشبيه في قول كعب ((أن ألاماني والأحلام تضليل)).فإن الكلام على مواعيد سعاد وأمانيها ولا كلام على الأحلام فلما عطف الأحلام على الأماني علمنا أنه قصد تشبيه أمانيه الناشئة عن دعواها بالأحلام في اللذاذة وعدم التحقق.
وهذا وجه الاحتراز فيما مضى بقولي ((المنتظمة بحسب المتعارف)) وقد يكون التناسب موهوما ومجرد دعوى في المقامات الشعرية واللطائف كقوله:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها
شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر
وقد يكون التناسب غريباً نابعاً لتناسب شيئين آخرين كقوله تعالى: ((والنجم والشجر يسجدان)) فإن التناسب أوجده ما يأتي بعده من قوله ((والسماء رفعها)) وقوله ((والأرض وضعها)) لأن النجم من توابع السماء والشجر من توابع الأرض ثم يكفي في هذه المناسبة التقارن في الغرض المسوق له الكلام.
ولهذا كان العطف بالفاء وثم وحتى أوسع في هذه المناسبة المشروطة، لأن الترتب أو المهلة أو الغاية كلها مناسبات كافية لتصحيح العطف لأنها دالة على التقارن في الوجود.
وهذا التقارن مهيء للمناسبة ومسوغ للعطف لكنه يزداد حسناً إذا قوي التناسب ولذا كان أصل الفاء التفريع ما لم تبعد المناسبة، ألا ترى كيف حسن العطف في قول عمرو بن كلثوم:
نزلتم منزل الأضياف منا
فعجلنا القرى أن تشتمونا ([28] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn28))
وكيف يقبح العطف بالفاء لو قلت جاء زيد فصفعوه ويزيد قبحاً لو قلت جاء زيد فنهق الحمار لبعد المناسبة ([29] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn29)) وكيف يحسن أن تقول طلع الفجر فأذن المؤذن.
وقول ابن زمرك:
هبَّ النسيم على الرياض مع السحر
فاستيقظت في الدوح أجفان الزهر
ويكون دونه حسناً -طلع الفجر فصاح الديك- وكيف يقبح أن تقول طلع الفجر فاستيقظ زيد إذا لم يكن الحديث قبل ذلك على زيد.
إذا تحققت هذا فاعلم أنه يتعين الوصل إذا أريد تشريك الجملة المعطوفة للجملة المعطوف عليها في حكمها في الإعراب كعطف الجمل المعمولة لعامل واحد بعضها على بعض ([30] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn30)) أو التشريك في حكمها في المعنى وإن لم يكن للمعطوف عليها محل من الإعراب.
والمراد من الحكم الكيفية الثابتة لمفهوم الجملة المعطوف عليها مثل حكم القصر في قوله تعالى: ((إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)) فقد عطف جملة ((ولكل قوم هاد)) على جملة إنما أنت منذر لأن المقصود تشريكها في حكم القصر، إذ المقصود من الجملتين الرد على من اعتقد خلاف ذلك ([31] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn31)) وليس للجملتين محل من الإعراب.
ويتعين الفصل إذا أريد التنبيه على أن الجملة الثانية منقطعة عن الأولى أي غير مشاركة لها لا في الحكم الإعرابي نحو قوله تعالى: ((قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون الله يستهزئ بهم)) لم تعطف جملة ((الله يستهزئ بهم)) لئلا يظن السامع إنها من قولهم، ولا في مجرد الحكم المعنوي حيث لم يكن إعراب نحو قوله تعالى: ((إنما أنت منذر ولكل قوم هاد * الله يعلم ما تحمل كل أنثى)) لم تعطف جملة الله يعلم لأنه لم يقصد دخولها في حكم القصر إذ لا قصد للرد على معتقد أن الله لا يعلم ما تحمل كل أنثى إذ لم يكن في المخاطبين من المشركين وأهل الكتاب من يعتقد ذلك، وكذا قولهم -مات فلان رحمه الله- فلو عطف -رحمه الله- لظن أن الجملة الدعائية أخبار عن فعل الله معه.
فالفصل في هاته الأمثلة كلها لأجل انقطاع الجملتين بعضهما عن بعض كما رأيت.
ويتعين الفضل أيضاً إذا كانت الجملة الثانية عين الأولى في المعنى أو في محصل الفائدة لأن العطف يقتضي المغايرة: فالتي هي عين الأولى في المعنى نحو قول الشاعر الذي لم يعرف:
أقول له راحل لا تقيمن عندنا
¥