وإلا فكن في الجهر والسر مسلما
فإن معنى لا تقيمن هو ما يفيده معنى قوله ارحل، فكانت الجملة الثانية كبدل الاشتمال من الأولى ([32] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn32)) والتي هي عين الأولى في محصل الفائدة مثل المؤكدة نحو ((ذلك الكتاب لا ريب فيه)) فجملة لا ريب فيه مؤكدة لمعنى ذلك الكتاب.
ومن أنواع الوصل عطف طائفة من الجمل على مجموع طائفة أخرى بحيث تعطف قصة على قصة أو غرض على غرض في الكلام فلا تلاحظ إلا المناسبة بين القصة والقصة والغرض والغرض لا بين أجزاء كل من القصتين حتى إذا وليت الجملة الأولى من القصة المعطوفة إحدى جمل القصة المعطوف عليها لا يتطلب وجه لتلك الموالاة لأنها موالاة عارضة، وهذا نحو عطف قوله تعالى: ((وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات)) إلخ، على قوله تعالى ((وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا)) لأن قوله -وإن كنتم في ريب- مسوق لبيان عقاب الكافرين وقوله -وبشر- مسوق لبيان ثواب المؤمنين، ونظيره من عطف المفردات قوله تعالى: ((هو الأول والآخر والظاهر والباطن)) فإنه لو قصد عطف الظاهر على الآخر لم يحسن وإنما القصد عطف وصفين متقابلين على وصفين متقابلين وكلها لموصوف واحد.
عطف الإنشاء على الخبر وعكسه منع بعض علماء العربية عطف الإنشاء على الخبر وعطف الخبر على الإنشاء والحق أن ذلك ليس بممنوع وهو كثير في الكلام البليغ وقد قال الله تعالى: ((واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب)) عطف -وهل أتاك- على -أخبار داوود-.
واعلم أنه قد يخالف الظاهر فيؤتى بالوصل في مقام الفصل وبعكسه لقصد دفع إيهام ينشأ عن ارتكاب مقتضى الظاهر كما جاء الفصل في قول الشاعر الذي لم يعرف:
وتظن سلمى أنني أبغي بها
بدلاً أراها في الضلال تهيم
كان الظاهر عطف جملة -أراها- لكنه فصلها لئلا يتوهم السامع أن ذلك ممات ظنه سلمى فالوصل سبب منع منه مانع.
وكما جاء الوصل في نحو قولهم (لا وأيدك الله)) فإن الظاهر الفصل لأن الجملتين غير مشتركتين في الحكم ([33] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn33)) ضرورة أن أحدهما خبر والأخرى إنشاء فقد وجد مانع الوصل ولكنه خلفه مقتض إذ لو فصل لتوهم الدعاء بنفي تأييده.
هذه معاقد أحوال الفصل والوصل وفي وجوه الاتصال والانفصال المرتب عليهما الوصل والفصل تفاصيل واعتبارات دقيقة يجب إرجاؤها لكتب مرتبة أرقى من هذه ([34] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn34)).
الإيجاز والإطناب والمساواة
الأصل في الكلام أن يكون تأدية للمعاني بألفاظ على مقدارها أي بأن يكون لكل معنى قصده المتكلم لفظ يدل عليه ظاهر أو مقدر ([35] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn35)) وتسمى دلالة الكلام بهاته الكيفية مساواةً لأن الألفاظ كانت مساوية للمدلولات فإذا نقصت الألفاظ عن عدد المعاني مع إيفائها بجميع تلك المعاني فذلك الإيجاز مثل الحذف لما شانه أن يذكر في كلامهم إذا قامت القرينة ومثل توخي لفظ يدل على مجموع معان إذا كانت الغالب في الكلام إذا قامت القرينة ومثل توخي لفظ يدل على مجموع معان إذا كانت الغالب في الكلام الدلالة على تلك المعاني بعدة ألفاظ، فقول بشار:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته
وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
مساواةٌ، وقول سَلَم
من راقب الناس مات كمداً
وفاز باللذة الجسور
إيجاز، وإذا زادت الألفاظ على عدد المعاني مع عدم زيارة المعاني فذلك الإطناب مثل التوكيد اللفظي والتكرير وذكر الخاص بعد العام والتفسير نحو ((أن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً)) إلخ، ومثل قوله:
الألمعي الذي يظن بك الظنـ
ـن كأن قد رأى وقد سمعا
¥