وهي تنقسم إلى واضحة وخفية فالواضحة هي التي لا تحتاج إلى إعمال روية نحو قولهم طويل النجاد كناية عن طول القامة وقول العرب مثلك لا يفعل كذا وغيرك لا يفعل يريدون أنت لا تفعل قال تعالى: ((ويتبع غير سبيل المؤمنين)) أي لا يتبع سبيل المؤمنين، والخفية التي تحتاج لأعمال روية أما الخفاء اللزوم نحو عريض القفا كناية عن الغباوة وأما لكثرة الوسائط نحو كثير الرماد بمعنى كريم ([55] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn55)).
والكناية أبلغ من التصريح لمن كان ذكياً.
تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر
اعلم أن البلغاء يتفننون في كلامهم فيأتون فيه بما لا يجري على الظاهر الشائع بين أهل البلاغة يقصدون بذلك التمليح والتحسين أو يعتمدون على نكت خفية يقتضيها الحال ولا يتفطن لها السامع لو لم يلق إليه ما يخالف ظاهر الحال ([56] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn56)).
فلا ينبغي أن يعد في خلاف مقتضى الظاهر ما كان ناشئاً عن اختلاف الدواعي والنكت مع وضوح الاختلاف كالوصل في مقام الفصل وعكسه لدفع الإيهام، ولا الإطناب في مقام الإيجاز لاستصغاء السامع، لظهور نكتة ذلك، وكذا لا يعد ما كان ناشئا عن علاقة مجازية كاستعمال الخبر في الإنشاء ولا ما كان ناشئا عن تنزيل الشيء منزلة غيره مع وضوح لأنه من المجاز كالقصر الادعائي وكعكس التشبيه، فتعين أن يوضع ذلك ونظائره في مواضعه من أبوابه وإن كان فيه رائحة من تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر من حيث أن الأصل خلافه وأن الذهن لا ينصرف إليه ابتداء وإنما يعد من تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ما لم يكن ناشئا عن نكتة أصلاً وهذا لا يوصف بموافقة مقتضى الحال ولا بمخالفته، وكذا يعد منه ما كان ناشئاً عن نكتة خفية لا يتبادر للسامع إدراكها بسهولة وهذا يوصف بأنه مقتضى حال لكنه خفي غير ظاهر.
فمن الأول الالتفات وهو انتقال المتكلم من طريق التكلم أو طريق الخطاب أو طريق الغيبة إلى طريق آخر منها انتقالا غير ملتزم في الاستعمال ([57] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn57)) نحو الحمد لله رب العالمين إلى قوله ((إياك نعبد)) فإن مقتضى الظاهر أن يقول إياه نعبد وقوله ((والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه)) فإن مقتضى الظاهر أن يقال فساقه وله نكت تزيده حسناً في الكلام لها بيان في المطولات.
ومنه أيضاً الأسلوب الحكيم وهو تلقي من يخاطبك بغير ما يترقب أو سائلك بغير ما يتطلب، بأن تحمل كلام مخاطبك (بكسر الطاء) على خلاف مراده تنبيهاً على أنه الأولى له بالقصد كقول القبعثري للحجاج وقد قال له الحجاج متوعداً إياه ((لأحملنك على الأدهم)) يعني القيد فقال له القبعثري ((مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب)) فصير مراده للفرس ومنه قول ..
أتت تشتكي مني مزاولة القرى
وقد رأت الاضياف ينحون منزلي
فقلت لها لما سمعت كلامها
هم الضيف جدّي في قراهم وعجل
وبأن تجيب سؤال السائل بغير ما يتطلب تنبيهاً على أنه الأولى بحاله أو المهم له كقوله تعالى: ((يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج))
ومنه القلب وهو جعل أحد أجزاء الكلام مكان الآخر لغير داع معنوي دون تعقيد ولا خطا ولا لبس ([58] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn58)) ويقصده البلغاء تزييناً للكلام فمنه ما ليس بمطرد نحو عرضت الناقة على الحوض وأدخلت الخاتم في إصبعي ومنه مطرد في الكلام كثير عندهم حتى صار أكثر من الأصل نحو قولهم ما كاد يفعل كذا يريدون كاد ما يفعل وعليه قوله تعالى: ((وما كادوا يفعلون)) وقوله ((لم يكد يراها)) ومن هذا النوع التشبيه المقلوب المذكور كله في البيان وعليه قول رؤية
ومهمه مغبرة أرجاؤه
كأن لون أرضه سماؤه
وقد ظهر أن هذا النوع كله لا حال تقتضيه ولكنه تمليح في الكلام.
ومن النوع الثاني من أنواع تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ما تقدم في باب اٌسناد من تنزيل غير السائل منزلة السائل ومنه مخاطبة الذي يفعل بالأمر بالفعل لقصد الدوام على الفعل كما في ((يا أيها الذين آمنوا آمنوا)) أو لعدم الاعتداد بفعله كما في الحديث ((صلّ فإنك لم تصل)).
¥