ومنه التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقيق وقوعه لأن المستقبل مشكوك في حصوله فإذا أردت أن تحققه عبرت عنه بالماضي إذ الماضي فعل قد حصل نحو قوله تعالى ((ويوم ينفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض)) ([59] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn59)).
ومنه التغليب وهو إطلاق لفظ على مدلوله وغيره لمناسبة بين المدلول وغيره والداعي إليه أما الإيجاز فيغلب أخف اللفظين نحو قولهم الأبوين والعمرين لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وأما مراعاة أكثرية استعمال لفظ أو صيغة في الكلام فتغلب على اللفظ أو الصيغة المرجوحة نحو قوله تعالى: ((وكانت من القانتين))، وأما لتغليب جانب المعنى على اللفظ نحو ((بل أنتم قوم تجهلون)) ولعل هذا من الالتفات ([60] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn60)).
فن البديع
البديع هو المحسنات الزائدة في الكلام على المطابقة لمقتضى الحال وتلك المحسنات أما راجعة إلى معنى الكلام باشتمال المعنى على لطائف مفهومة تحسنه وتكسبه زيادة قبول في ذهن المخاطب. وأما راجعة إلى لفظ الكلام باشتماله على لطائف مسموعة تونقه وتوجب له بهجة في سمع السامع.
وقد مر في مقدمة هذا الموجز أن فن البديع هو أول ما أفرد بالتأليف من فنون البلاغة وأن مدونه هو عبد الله ابن المعتز العباس.
والمحسنات البديعية كثرة لا تنحصر عدا وابتكارا ويكفي المبتدئ أن يعرف مشهورها من القسمين اللفظي والمعنوي.
أما المعنوي فمنه التجريد وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مثله في تلك الذات كقولهم لي منك صديق حميم ولئن سألت فلاناً لتسألن به بحراً ومن هذا مخاطبة المرء نفسه وذلك كثير في الشعر كقول النابغة:
دعاك الهوى واستجهلتك المنازل
وكيف تصابي المرء والشيب شامل
ومنه طالع قصيدة البردة البصرية ((أمن تذكر جيران البيت))
ومنه المبالغة المقبولة وهي ادعاء بلوغ وصف في شدته أو ضعفه مبلغاً يبعد أو يستحيل وقوعه، وأصدقها ما قرن بلفظ التقريب نحو يكاد زيتها يضيء، ودونه ما علق على ما لا يقع كقول المتنبي:
عقدت سنابكها عليها عثيرا
لو تبتغي عنقاً عليه لأمكنا
وما عدا ذلك يحسن منه ما تضمن تمليحاً كقول المتنبي
كفى بجسمي نحولا أنني رجل
لولا مخاطبتي إياك لم ترني
ومن التورية وهي أن يذكر لفظ له معنيان قريب وبعيد ويراد المعنى البعيد اعتماداً على القرينة لقصد إيقاع السامع في الشك والإيهام ولم تكن معروفة في شعر العرب إلا في قول لبيد يذكر قتلاهم ويوري بأبيه ربيعة قتل يوم ذي علق
ولا من ربيع المقترين رزئته
بذي علق فاقني حياءك واصبري
وقول عنترة:
جادت عليه كل بكرة حرة
فتركن كل قرارة كالدرهم
البكر السحابة السابق مطرها والحرة الخالصة من البرد، وقد اشتهر بالإبداع في هذا النوع علي الغراب الصفاقسي المتوفى سنة 1183 كقوله:
جمعت هوى ظبي وقد كان جامعاً
لزيتونة من فوق أغصانها التوى
فيا جامع الزيتونة الفاتن الورى
تفضل بمعروف على جامع الهوى
ومنه التلميح (بتقديم اللام على الميم) وهو الإشارة في الكلام إلى قصة أو مسألة علمية أو شعر مشهور كقول أبي تمام:
فوالله ما أدري أأحلام نائم
ألمت بنا أم كان في الركب يوشع
يشير إلى القصة المذكورة في الإسرائيليات أن الشمس ردت ليوشع النبي عليه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في بعض غزواته لئلا يدخل السبت وهو بصدد فتح القرية، وقول ابن الخطيب شاعر الأندلس:
وروى النعمان عن ماء السما
كيف يروي مالك عن أنس
يشير إلى نسب النعمان ملك العرب وإلى رواية الإمام مالك عن الصحابي مسقطاً الواسطة وهو الحديث المرسل، أي أن شقايق النعمان روت عن ماء السماء بواسطة الأرض.
ومنه المشاكلة وهي أن يعمد المتكلم إلى معنى غير موجود فيقدره موجوداً من جنس معنى قابله به مقابلة الجزاء أو العوض ولو تقديراً كقوله تعالى: ((يخادعون الله وهو خادعهم)) عبر عن العقاب بالخداع لوقوعه جزاء عن الخداع وقول أبي الرقعمق ([61] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=33#_ftn61)).
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه
قلت اطبخوا لي جبة وقميصا
¥