الرّابعة: إذا دخل التّنوين هذه الكلمة وقيل (بَخٍ) أو (بَهٍ) فإنّ ذلك للتّنكير، والمراد من التّنكير هنا زيادة التّعظيم لا الجهل بالشّيء وعدم تعيّنه، فالنّحاة عندما سمّوا بعض أنواع التّنوين بـ (تنوين التّنكير) فهذه التّسمية باعتبار اللّفظ، وإلاّ فإنّه لا بدّ من الوقوف دائما أمام معاني التّنكير نفسِه، والله أعلم وأعزّ وأكرم.
(بْنِينْ)
بْنِينْ: معناها في استعمالنا (طيّب)، وأطيب منه موافقة استعمالنا لاستعمال العرب، فقد قال ابن منظور رحمه الله:
" البَنَّة: الرّيح الطيِّبة كرائحة التُّفّاح ونحوها، وجمعُها (بِنانٌ) تقول: أَجِدُ لهذا الثوب بَنَّةً طيِّبة من عَرْف تفاح أَو سَفَرْجَل".
هذا هو الأكثر، لكن قد تطلق على الرّائحة المكروهة كما قال الأصمعيّ، وقال الجوهريّ: " البَنَّةُ: الرائحة كريهةً كانت أَو طيبةً ".
البيان والتّوضيح لما في العامّية من الفصيح (3)
أبو جابر عبد الحليم توميات
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فأستفتح هذه الحلقة من هذه السّلسلة بنصيحة إلى إخواننا وأخواتنا الّذين رضُوا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا ورسولا، ثمّ رضُوا باللّغة العربيّة لغةً .. لغة نزل بها القرآن العظيم، ونطق بها النبيّ المصطفى الأمين صلّى الله عليه وسلّم .. نصيحة إليهم أن يجتنبوا التّحدّث بغير اللّغة العربيّة –فصيحها أو عامّيتها- قدر الإمكان، فيكفي أنّ الحاجة والضّرورة تقودنا إلى التحدّث بغيرها في كلّ مكان ..
ولمّا كان " اللّسان العربيّ شعار الإسلام وأهله، واللّغات من أعظم شعائر الأمم الّتي بها يتميّزون " [1] كان سلف هذه الأمّة في قمّة الحزم والصّرامة حين كرهوا الكلام بغير العربيّة على وجه الاعتياد والدّوام، ولغير حاجة أو ضرورة، وانظر إلى ما رواه عبد الرزّاق في " المصنّف " [2] عن عمر رضي الله عنه ورواه ابن أبي شيبة عن عطاء [3] قالا::" لاَ تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الأًعَاجِمِ، وَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ كَنَائِسَهُمْ، فَإِنَّ السَّخَطَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ " ..
وروى عن محمّد بن سعد بن أبي وقّاص أنّه سمع قوما يتكلّمون بالفارسية فقال: " ما بال المجوسيّة بعد الحنيفيّة؟! " [4].
بل قال الإمام مالك فيما رواه ابن القاسم عنه: " لا يُحرِم بالأعجميّة، ولا يدعو بها، ولا يحلف " [5].
وقال الشّافعي رحمه الله-فيما نقله عنه أبو طاهر السّلفيّ-: " سمّى الله الطّالبين من فضله في الشّراء والبيع (تجّارا)، ولم تزل العرب تسمّيهم التجّار، ثمّ سمّاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما سمّى الله به من التجارة بلسان العرب، والسّماسرة اسم من أسماء العجم، فلا نحبّ أن يسمّي رجلٌ يعرف العربية تاجرا إلاّ تاجرا، ولا ينطق بالعربية فيسمّي شيئا بأعجمية، وذلك أنّ اللّسان الّذي اختاره الله عزّ وجلّ لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا نقول: ينبغي لكلّ أحد يقدر على تعلّم العربية أن يتعّلمها؛ لأنّه اللّسان الأولى بأن يكون مرغوبا فيه من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بأعجميّة " [6].
وقال ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " [7]:
" وما زال السّلف يكرهون تغيير شعائر العرب حتّى في المعاملات، وهو (التكلّم بغير العربية) إلاّ لحاجة، كما نصّ على ذلك مالك والشّافعي وأحمد؛ بل قال مالك: من تكلّم في مسجدنا بغير العربيّة أُخرج منه، مع أنّ سائر الألسن يجوز النّطق بها لأصحابها؛ ولكن سوّغوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام؛ فإنّ الله أنزل كتابه باللّسان العربيّ، وبعث به نبيّه العربيّ، وجعل الأُمّة العربيّة خير الأُمم، فصار حفظ شعارهم من تمام حفظ الإسلام " اهـ
وقال رحمه الله في " اقتضاء الصّراط المستقيم " [8]:
¥