تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و الرواية الأخيرة –الرابعة من المجموعة الرابعة- هي ما رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما،و مفادها أنه لما تُوفي رسول الله –عليه الصلاة و السلام- أرسلت فاطمة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من أبيها، فقال لها أنه سمع رسول الله يقول: ((لا نورث ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال))، و لم يُعطيها ما طلبت، و قال أنه يتبع سنة الرسول-صلى الله عليه وسلم- في هذا المال؛ فغضبت فاطمة و هجرته و لم تكلّمه إلى أن تُوفيت بعد ستة أشهر من وفاة رسول الله –عليه الصلاة و السلام-. فلما تُوفيت التمس علي بن أبي طالب مصالحة أبي بكر و بيعته، إذ لم يكن بايعه في تلك الأشهر، و كان له وجه عند الناس في حياة زوجته فاطمة-رضي الله عنها-، فلما تُوفيت استنكر وجوه الناس و التمس مصالحة أبي بكر و بيعته، فأرسل إليه بالمجيء إلى بيته، فلما حضر أبو بكر، اعترف له علي بفضله و قال له: إنني لم أحسدك على خير ساقه الله إليك، لكنك ((استبددت علينا بالأمر، و كنا نرى لقرابتنا من رسول الله –صلى الله عليه و سلم- نصيبا))، فقال له أبو بكر،: إن قرابة النبي –عليه الصلاة و السلام- هي أحب إليّ من قرابتي، و أما ((الذي شجر بيني و بينكم من هذه الأموال، فلم آل فيها عن الخير،و لم أترك أمرا رأيت رسول الله –صلى الله عليه و سلم- يصنعه فيها إلا صنعته))، ثم تكلم علي و وعده بالبيعة في المسجد بعد صلاة الظهر من نفس اليوم، فلما حان الوقت قام أبو بكر في الناس و أخبرهم بأمر علي و تخلّفه، فنهض علي بن أبي طالب و قال للناس ما كان قاله لأبي بكر في بيته،و بايعه أمامهم، ففرحوا به و استحسنوا فعله.

ثانيا: تحقيق الروايات السابقة:

كانت تلك الروايات هي أشهر الروايات التي ذكرتها المصنفات التاريخية و الحديثية عن موقف علي بن أبي طالب من بيعة أبي بكر الصديق،و هي التي سأُخضعها للنقد –إسنادا و متنا- لنميز صحيحها من سقيمها.

فالمجموعة الأولى – التي ذكرت أن عليا رفض البيعة- أول رواياتها ذكرها المؤرخ اليعقوبي بلا إسناد، و هذا يعني أنها فقدت شرطا أساسيا من شروط تحقيق الخبر في علم الجرح و التعديل، مما يُدخلها مباشرة في دائرة الضعيف أو الموضوع-أي المكذوب -. و أما متنها فهو الآخر لا يصح لأنه يخالف ما ثبت في القرآن الكريم و السنة النبوية و التاريخ الصحيح أن الرسول –عليه الصلاة و السلام –لم يوص لأحد من بعده بالخلافة، و إنما هي شورى بين المسلمين تتم بالاختيار الحر.

و الثانية هي الأخرى رواها اليعقوبي دون إسناد، لذا فهي تدخل مباشرة في دائرة الضعيف أو الموضوع، لأنه قطع الطريق أمامنا من إمكانية نقدها بواسطة الإسناد، و أصبحت مجرد دعوى عارية عن الدليل، و الدعوى لا يعجز عنها أحد. و أما متنها ففيه و صف لأبي بكر و عمر بالتآمر و الحرص على الخلافة، و هذا غير صحيح لأنه يتنافى تماما مع الثابت من أخلاقهما الحسنة،و قد صحّ الخبر أن الصحابة بايعوا أبا بكر و رضوا به، دون إكراه و بلا طلب منه.

و الرواية الثالثة-من المجموعة الأولى- رواها المؤرخ المسعودي بلا إسناد، فهي إذا ضعيفة من حيث السند؛ و أما متنها فإن كان المقصود من قولها أن عليا قال: ((لم ترع لنا حقا))، أنه أراد أن الخلافة حق له و أخذها منه أبو بكر، فهو زعم باطل ترده النصوص الصحيحة الكثيرة التي تُثبت أن الخلافة شورى بين المسلمين،و أن الرسول-عليه الصلاة و السلام – لم يوص لأحد من بعده بالخلافة. و إما إن كان المقصود من ذلك أن له حق المشاورة، في اختيار الخليفة و لم يُدع إليه، فهو كلام صحيح، لكن غيابه لم يكن مقصودا، فعندما بويع أبو بكر في السقيفة كثير من الصحابة لم يكن حاضرا، منهم علي و الزبير، فبايعوه في البيعة العامة في المسجد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير