تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لكن قبل الجمع بينهما أذكر طائفة من الشواهد التاريخية الصحيحة تزيد الرواية الثانية من المجموعة الثالثة - التي نصت على بيعة علي لأبي بكر يوم البيعة العامة - تزيدها قوة و رجحانا، أولها أنه قد صحّ الخبر أنه بعد وفاة الرسول-عليه الصلاة و السلام- بليال صلى أبو بكر صلاة العصر و معه علي ابن أبي طالب، فلما انقضت الصلاة خرجا يمشيان معا، فوجدا الحسن بن علي يلعب مع الأولاد في الطريق، فحمله أبو بكر و قال: ((يا بابي شبه النبي، ليس شبيها بعلي))،و علي يضحك. فهذه الحادثة جرت بعد ليال من وفاة رسول الله، و لم تحدث بعد ستة أشهر، فلو كان علي بن أبي طالب مخاصما لأبي بكر و غير مبايع له، لأعتزله،و لما وُجدت هذه العلاقة الأخوية الحميمة، فهما: يصليان معا،و يمشيان معا،و يمزحان معا.

و الشاهد الثاني هو أنه صحّ الخبر أن بعد شهرين و أيام من وفاة الرسول-عليه الصلاة و السلام- خرج أبو بكر الصديق إلى بلدة ذي القصة -بضواحي المدينة المنورة -، شاهرا سيفه لمحاربة المرتدين، فاعترضه بعض الصحابة و نصحوه بالرجوع إلى المدينة و يتولوا هم المهمة، فكان من بينهم علي بن أبي طالب، فأخذ براحلة أبي بكر و قال له: إلى أين يا خليفة رسول الله، أقول لك ما قاله رسول الله –صلى الله عليه و سلم- يوم أحد: لَم سيفك، و لا تفجعنا بنفسك، و أرجع إلى المدينة، فوالله لئن فُجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا، فسمع منه و رجع.

فهذا الخبر دليل قوي على مبايعة علي لأبي بكر في حياة زوجته فاطمة، أي قبل 6 أشهر، فهو قد خاطبه بالخلافة، و أظهر حبه العميق له، أيُعقل أن يكون علي منكرا لخلافة الصديق،و مخاصما له، ثم يصدر منه ذلك الفعل؟ ‍‍‍، أوليس من صالحه-إن كان لم يُبايع- أن يترك أبا بكر يخرج للقتال لعله يُقتل ليتخلّص منه؟، لكنه فعل عكس ذلك فدل على مبايعته لأبي بكر و حبه العميق له.

و الشاهد الثالث هو أنه لما تُوفي الرسول-عليه الصلاة و السلام- ذهب العباس و فاطمة-رضي الله عنهما- إلى أبي بكر الصديق يطلبان منه ميراثهما من رسول الله، و هو: أرضه من فدك،و سهمه من خيبر، فاعتذر و قال لهما أنه سمع النبي – عليه الصلاة و السلام- يقول: ((لا نورث ما تركناه صدقة، و إنما يأكل آل محمد في هذا المال)). فذهابهما إليه طلبا للميراث دليل على أنهما يعترفان به خليفة للمسلمين.

و الشاهد الرابع هو أنه رُوي بإسناد جيد أن أبا بكر الصديق –رضي الله عنه-لما بايعه الناس بالخلافة، خطب فيهم و قال لهم أنه لم يكن حريصا على الإمارة و لا سألها، فقبل الناس منه، و تدخل علي و الزبير –رضي الله عنهما- و قالا ((ما غضبنا إلا أنا أُخرنا عن المشورة،و أنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها،و أنه لصاحب الغار،و أنا لنعرف شرفه و خيره، و لقد أمره رسول الله-صلى الله عليه و سلم- أن يصلي بالناس و هو حي)). فكلامهما هذا يدل على أنهما غضبا بعض الشيء عندما لم يحضرا بيعة أبي بكر في السقيفة، لأنهما كانا غائبين ككثير من الصحابة، لكنهما مع ذلك قد بايعا أبا بكر في البيعة العامة، و اعترفا له بالفضل و الخيرية،و أنه أحق الصحابة بالخلافة.

و الشاهد الخامس هو أنه رُوي-بإسناد صحيح- أنه لما بُويع أبكر بالخلافة ذهب أبو سفيان بن حرب إلى علي بن أبي طالب، و قال له: ما بال هذا الأمر- أي الخلافة- في أقل قريش قلة و أذلها ذلا –أي قبيلة تيم التي ينتمي إليها الصديق-، و الله لئن شئت لأملأنها عليه –أي أبي بكر- خيلا و رجالا، فقال له علي: لطالما عاديت الإسلام و أهله يا أبا سفيان، فلم يضره ذلك شيئا، إنا وجدنا أبا بكر لها أهلا. فهذا الخبر فيه دلالة واضحة على أن عليا لم يكن رافضا لخلافة أبي بكر، و أنه بايعه عندما نهر أبا سفيان و قال له: إنا وجدنا أبا بكر لها أهلا؛ فلو كان رافضا للبيعة،و معتقدا أن أبا بكر اغتصب منه الخلافة، لتعاون مع أبي سفيان للإطاحة بأبي بكر، و سيتعاون معهما بنو أمية و بنو هاشم،و هم أقوى قبائل قريش، لكنه لم يفعل ذلك و أغلظ القول لأبي سفيان. و واضح من هذه الحادثة أنها تمت مباشرة بعد مبايعة أبي بكر بالخلافة و في حياة فاطمة بنت رسول الله، و قد نص على ذلك ابن جرير الطبري صراحة؛ مما يدل أن عليا قد بايع أبا بكر عندما بايعه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير