تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومعانيه واضحة سهلة، بعيدة عن العمق والتكلف خالية من الصور الفلسفية، ولكن الروح الدينية، تعمُّ معاني الخطبة، فنلحظ تأثر طارق بأفكار القرآن الكريم والحديث الشريف، ولاسيما حين يتحدث عن الأثر النفسي للتقاعس واحتمال تجرؤ العدو عليهم بعد جبنه أمامهم، ثم حين يغريهم بالألذ والأرفه بعد الأشق القليل، وكأنَّه يقيس تلك المكافأة الدنيوية على العمل الطيب بمكافأة الآخرة على الدنيا (40).

8 ـ خلاصة:

في ختام حديثنا عن تحليل الخطبة، يجدر بنا أنْ نسجل الملاحظات الآتية:

أ ـ إنَّ مجمل الروايات العربية والإسلامية، قد أشادت بهذه الخطبة، ونوَّهت بما كان لها من أثر في إذكاء شجاعة الجند، وتَمتين الثقة في نفوسهم لتحقيق الانتصار والظفر بِهذه الجزيرة (41).

ب ـ تفكير طارق من خلال هذه الخطبة تفكير سليم، فهو يجيد التعليل والتدليل، ويحسن تقديم الحجج والبراهين.

ج ـ له ذكاء متوقدٌ، يسبرُ أغوار النفس البشرية، ويعرفُ ما يدور في أذهان المستمعين، فيخاطبهم حسب عقولهم.

د ـ له مخيلةٌ نشيطةٌ، وإحساسٌ مرهفٌ، فمخيلته تُجسّمُ الأفكار، وتصنع الخطط، وتصوّر المواقف، وإحساسُه يتلقى التأثيرات ويعكسُها لجنُودهِ، وما فعله مع جنوده حين جعل نفسه مثالاً حياً يتقدم صفوف المجاهدين يذكرنا بالقول المأثور: "إذا أردت أن تبكيني فابدأ أنت بالبكاء".

هـ ـ وكانت ثقتهُ في نفسه وفي جيشه كبيرةً، وكان جريئاً في آرائه، رابط الجأش في موقفه.

و ـ كما كان صادقاً مع جنوده لا يراوغ ولا يخاذل.

ز ـ وتعدّ هذه الخطبة، أوّل ريح معطرة بالبلاغة تَهبُّ على أرض الأندلس (42).

ح ـ وقد التزم فيها بلازمة الخطبة (أيها الناس)، كما التزم بالإيجاز، إذ لا إطناب، لأنَّ الظرف غير مناسب لذلك والإيجاز يطلب في ثلاث حالات (الحروب، والتهنئة، والتوصية).

ط ـ وجملة القول: إنَّ خطبة طارق بن زياد، في مجملها جيدة من حيث قيمتها الفنية، وهي تدل على رسوخ ملكة البيان في القواد وخبرتِهم بالقيادة ونفوس الجند (43).

ثالثاً: خطبة طارق بين الشك واليقين

تمهيد:

لقد اختلف الدارسون بشأن هذه الخطبة وبشأن الأبيات التي قالها طارق بن زياد في الفتح، وأوردها المقري في النفح نقلاً عن الحجاري في "المسهب" وابن اليسع في "المغرب" (44)، فاختلفوا في نسبة هذين النصين إليه، فوقف بعض الباحثين وقفة شك في نسبة الشعر والخطبة إليه وأثبتهما له باحثون آخرون، وسنتناول آراء هؤلاء وهؤلاء في هذه الخطبة ونسبتها إلى طارق، ثم نبين بطلان هذا الشك.

1 ـ الشاكون في الخطبة:

لقد شك بعض المؤرخين في صحة هذه الخطبة ونسبتها إلى طارق، ويبدو أنَّ هذا الشك جاء أولاً من بعض المستشرقين الذين يشك في نياتِهم (45) (لأن "الاستشراق" و"الاستعمار" و"التبشير" ثلاثة أسماء لشيء واحد)، ثم حذا حذوهم بعض مؤرخي العرب، فشكوا هم بدورهم في نسبة الخطبة، ومن هؤلاء الدارسين الشاكين: الدكتور أحمد هيكل (46) والدكتور عمر الدقاق (47)، والأستاذ محمد بن تاويت والدكتور محمد الصادق العفيفي (48) والأستاذ محمد عبد الله عنان (49)، والأستاذ محمد حسن كجة (50)، والدكتور عمر فروخ (51)، والدكتور أحمد بسام الساعي (52) والدكتور سوادي عبد محمد (53)، والدكتور عبد الرحمن الحجي (54)، وغيرهم. غير أنه يكاد يكون الدكتور أحمد هيكل في كتابه (الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة) هو الأصل لمعظم الدراسات التي ظهرت بعده في هذا الموضوع، وعليه اعتمد الدارسون الآخرون حيث نقلوا كلامه بتصرف، ولهذا سنورد رأيه دون الالتفات إلى آراء الآخرين.

2 ـ أسباب الشك.

يرتاب الدكتور أحمد هيكل ومن حذا حذوه في نسبة الخطبة إلى فاتح الأندلس، ويرون أن نسبتها إليه يحف بها كثير من الشك، وذلك لعدة أسباب منها:

أ ـ أن طارق بن زياد كان بربرياً مولى لموسى بن نصير، وكان أول عهده بالإسلام والعربية عام تسعة وثمانين للهجرة (89هـ/ 707م)، وهو العام الذي استولى فيه موسى بن نصير على بلاد المغرب، فلا يعقل أن يكون طارق قد اكتسب في هذه السنوات الثلاث اللسان العربي الفصيح والملكة البلاغية الرفيعة التي تؤهله لإلقاء مثل هذه الخطبة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير