تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ب ـ ومن أسباب هذا الشك أنَّ المصادر الأولى التي سجلت حوادث الفتح، قد خلت تَماماً من أيّ حديث عن هذه الخطبة، ولم يرد ذكرها إلاّ في بعض المصادر المتأخرة كثيراً عن فترة الفتح، كنفح الطيب للمقري.

ج ـ ومن أسباب الشك أيضاً أسلوب الخطبة الذي لم يكن معروفاً في تلك الفترة، فالسجع والمحسنات البديعية، قد عاشت في عصر متأخر كثيراً عن أواخر القرن الأول الهجري ..

د ـ أمّا "العربان" الذين ذكرهم طارق في خطبته "وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك من الأبطال عرباناً"، فلم يكونوا في حقيقة الأمر، وحسب المصادر التاريخية الموثوقة "عُرباناً"، بل كان معظم أفراد جيش طارق من برابرة المغرب (55).

3 ـ بُطلان هذه الأسباب بالدليل العقلي:

يبدو في كلام الدكتور أحمد هيكل ومن سار في فلكه مبالغة واضحة، ونحن نختلف معهم فيما ذهبوا إليه، ونرد عليهم بالحجة فيما يأتي:

أ ـ بالنسبة إلى السبب الأول، المتعلق بكون طارق بن زياد حديث عهد بالإسلام والعربية، وأنَّه لا يستطيع الخطابة بلغة هو حديث عهد بِها.

يبدو أنَّ الذين رأوا هذا الرأي لم يدققوا النظر في حياة الرجل الذي كان على صلة بالعروبة والإسلام منذ حداثته، فقد ذكر لهُ ابن عذاري أبوين في الإسلام (طارق بن زياد بن عبد الله) (56)، وأغلب الظن أنَّه ليس هو الذي أسلم أوّلاً، بل والده وجدُّه الذي يكون قد سُبيَ في إحدى حملات الفتح الأولى وأخذ إلى (مصر) أو (الشام)، وهناك في ديار الإسلام نشأ طارقُ مسلماً، فأحسن العربية مع الاحتفاظ بلهجة أجداده البربرية، ثم جُنِّد بعد ذلك في إحدى حملات موسى بن نصير، وجاء مَعَهُ إلى المغرب (57).

ولهذا يكون طارق قد أجاد العربية في المشرق، وبلغ من الفصاحة والبلاغة درجة عالية جعلته ينظم الشعر ويلقي الخطب. وإذن فطارق ليس حديث عهد بالإسلام والعربية، ولابد أنَّ نعيد النظر في هذه المسألة.

ب ـ وأمّا بالنسبة إلى إهمال المصادر القديمة لهذه الخطبة، وظهورها في كُتُبِ المؤرخين والأدباء المتأخرين، على حدّ زعمهم، فهذا الأمر لا ينهض دليلاً على رفضها، لاسيما ونحن نعرف أنَّ ما وصلنا مِنْ هذه المصادر قليل جدّاً، وأنَّ ما وصلنا فيها من أخبار ونصوص ليس غير جزء ضئيل مما كنّا ننتظر، وما زلنا ننتظر أنْ يصلنا يوم يُكشَفُ النّقابُ فيه عن تراثنا الدفين ثم إنَّ القول بإهمال المصادر القديمة لهذه الخطبة قولٌ مبالغ فيه، فقد فات الدكتور أحمد هيكل والأستاذ عبد الله عنان ومن حذا حذوهما أن يطلعوا على كتُب كثيرة ألفتْ قبل "نفح الطيب" ورَدَتْ فيها هذه الخطبة بنصوص متشابهة حيناً، ومختلفة حيناً آخر (58)، وهي:

1 ـ تاريخ عبد الملك بن حبيب (59) المتوفى سنة 238هـ.

2 ـ الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة (60)، المتوفى سنة 276 هـ.

3 ـ سراج الملوك للطرطوشي (61)، المتوفى سنة 520هـ.

4 ـ ريحان الألباب وريعان الشباب في مراتب الآداب لأبي محمد عبد الله المواعيني الإشبيلي (62)، عاش في عصر الموحدين.

5 ـ وفيات الأعيان لابن خلكان (63)، المتوفى سنة 681هـ.

6 ـ تحفة الأنفْس وشعار أهل الأندلس لعلي بن عبد الرحمن بن هذيل (64)، عاش في القرن الثامن الهجري.

7 ـ أمّا صاحب نفح الطيب (65)، فقد توفي سنة 1041 هـ.

وإذن، فقد وردت هذه الخطبة المنسوبة إلى طارق في مصادر قديمة، مشرقية ومغربية، دون أن يتفطَّن إليها هؤلاء الشاكون، ولم يكن صاحب نفح الطيب أوّل من أوردها، على حدّ زعمهم. ونعتقد أنَّ هذا الوهم ناتج عن عدم التمحيص والتدقيق أثناء الدراسة، والاكتفاء بنقل الأحكام الجاهزة دون التأكد من صحتها أو خطئها، ودون إجهاد النفس بالعودة إلى المصادر القديمة للتوثق من صحة تلك الأحكام.

ج ـ أمّا بالنسبة لأسلوب الخطبة الذي لم يكن معروفاً في تلك الفترة، فالسجع والمحسنات البديعية، قد عاشت في عصر متأخر عن أواخر القرن الأول الهجري على حدّ رأيهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير