تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد أشرنا إلى هذه المسألة عند حديثنا عن الأسلوب، وبيّنا بطلان هذا الزعم، فأسلوب الخطبة هو أسلوب الخطابة في ذلك العصر، بشكل عام، يمتاز بالقوة والجزالة، وهو فوق ذلك بعيد عن المحسنات البديعية الممقوتة، ما عدا الفقرة الشاذة التي يغري فيها طارق جنوده بفتيات الأندلس. فهي ليست من إنشاء طارق، وإنما أضافها بعض المستشرقين الحاقدين على الإسلام والمسلمين لتشويه التاريخ الإسلامي المجيد بجوانبه المتعددة، فالجيوش الإسلامية لم تكن تغزو من أجل الغنائم وإنما كانت تغزو في سبيل فكرة وعقيدة وقد سبقت الإشارة إلى ذلك.

ولذا، فلا يمكن أنْ نظنَّ ـ كما ظنَّ هؤلاء الشاكون ـ لأنَّ هذه الفقرة وسائر فقرات الخطبة أجزاء من عمل أدبي واحد، فالفارق واضح في الأسلوب، وفي المعاني، وفي مخالفتها لحقائق تاريخية أحياناً، كإقحام كلمة "اليونان" في الفقرة المضافة ...

د ـ أمَّا الرد الرابع، فيتعلّقُ بكلمة (عربان)، فقد وردت في بعض النسخ بالزاي المعجمة (عزبان: جمع عزب)، وعلى هذا الوجه ينتفي الشك الذي استندوا إليه، لأنَّ معظم أفراد جَيْشيه الذي جهّز به حملته كان من برابرة المغرب (66).

4 ـ المثبتون للخطبة:

وإذا كان بعضُ الدّارسين قد شكّوا في صحة هذه الخطبة ونسبتها إلى طارق ـ كما رأينا ـ انطلاقاً من حجج نراها واهية، وفندناها، فإنَّ هناك باحثين آخرين رَدوا على من شك في صحتها، وتصدُّوا لإثبات صحتها ونسبتها، ومن هؤلاء الدارسين أستاذنا الدكتور عبد السلام الهراس الذي "أورد نصوص خطبة طارق من المصادر المختلفة التي أحصاها، وهي: نص ابن خلكان ـ نص الإمامة والسياسة ـ نص تحفة الأنفس لابن هذيل ـ نص ريحانة الألباب للمواعيني ـ نص عبد الملك بن حبيب ـ نص الطرطوشي ـ نص نفح الطيب وهو المعروف المتداول، وقارن بينها، واستخلص منها ثلاث صور للنص مختلفة بعض الاختلاف ولا سيما في الصياغة هي:

أ ـ نص الإمامة والسياسة.

ب ـ نص ابن خلكان ونفح الطيب.

ج ـ نص ابن هذيل، وهو يجمع بين النصين السابقين.

وتوصل من خلال دراسته لهذه النصوص إلى إثبات صحتها" (67). كما أثبتها الأستاذ عبد الله كنون (68)، والعلامة شكيب أرسلان (69)، والأستاذان: محمد الطيب وإبراهيم يوسف (70)، والدكتور علي لغزيوي (71) والدكتور عباس الجراري الذي تناول نص الخطبة على أساس أنَها من الأدب المغربي "وأورد نصوصها من المصادر السابقة، وانتهى إلى إثباتِها مع الإشارة إلى بعض الشك حولها بسبب اختلاف النصوص، ولكنّه يرجّح أنَّها ليست من إنشاء طارق، وإنما كتبت له ليلقيها في الجيش" (72) وقد تناول السمات الفنية للخطابة في هذا العصر، فوازن بين خطب الأمويين بالمشرق وخطبة طارق من الناحية الفنية، وتوصل إلى النتائج نفسها المشار إليها آنفاً (73).

5 ـ فذلكة:

وعلى الرغم من إشادة بعض الروايات العربية الإسلامية بهذه الخطبة، وتنويهها بما كان لها من أثر في إذكاء شجاعة الجند، وتَمتين الثقة بأنفسهم لِتحقيق الانتصار والظفر بفتح هذه البلاد ونشر الإسلام في ربوعها، فإنّ بعض الدارسين ارتابوا في نسبتها إلى فاتح الأندلس، وقدّموا حججاً واهية. وقد تبين من خلال هذا العرض بطلان تلك الحجج والآراء التي تشكك في صحة هذه الخطبة ونسبتها إلى طارق، وتبين أيضاً أنّ هذا الشك جاء أوّلاً من بعض المستشرقين الذين يشك في نياتِهم، وقد كشفتُ عن بعض ما يرمي إليه الشك، والهدف الذي يسعى إليه "الاستشراق" و"التبشير" و"الاستعمار" من بث مثل هذه الأفكار السامة. وأخوَفُ ما يُخَافُ أن يأتي يومٌ يشك فيه في الفتح، وفي الوجود العربي الإسلامي الذي دام ثمانية قرون بالأندلس، وأنْ تُصبحَ شخصيةُ طارق أسطورة، وعبورُهُ العظيم للبحر، وانتصاره على ملوك الأندلس وفتحه الطريق للمسلمين نحو قلب أوربة أسطورة ... لهذا كله، نحن لا نشكُّ في صحة الخطبة ونسبتها إلى طارق، ولا في حادثة إحراق السفن، وإن شك فيهما كثير من الناس، ونرى أنَّ نسبة الخطبة إليه ثابتة، وإن كان اختلاف النصوص في المصادر القديمة يدعو إلى الاعتقاد بأنَّ الخطبة قد أدخلت عليها تعديلات وإضافات من قبل الأجيال اللاحقة حتى انتهت إلى الشكل الذي هي عليه الآن، بل الراجح أنَّ طارقاً لابد أنْ يكون قد خطب في جنوده خطبة أثارت حماسهم، هي من أروع ما سجّله الرواة، خطبة تنبع من قلب قائد عظيم يقاتل في سبيل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير