تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام، فقال أدخلهم، فقالوا كذلك فلما كان اليوم الثالث

قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة، فأبوا إلا ذلك فخد لهم أخدوداً بين باب

المسجد والقصر وقال: احفروا فأبعدوا في الأرض وجاء بالحطب فطرحه بالنار في

الأخدود وقال: إني طارحكم فيها أو ترجعوا فأبوا أن يرجعوا فقذفهم فيها حتى إذا

احترقوا قال:

إني إذا رأيت الأمر منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا

قال الحافظ ابن حجر: وهذا سند حسن [32].

خامساً - سيف بن عمر في الميزان:

يتحامل الدكتور الهلابي على الإخباري سيف بن عمر التميمي تحاملاً شديداً،

ويقول بأن سمعته باعتباره محدثاً سيئة للغاية، فقد حكم أصحاب الجرح والتعديل

عليه بالضعف واتهموه بوضع الأحاديث على الثقات وبالزندقة، كما يتهمه بالتحيز

والتعصب، وأنه عبث بروايات التاريخ الإسلامي، خصوصا ما له صلة بالفتنة

وما تلاها [33].

والحقيقة أن هذا الكلام مبالغ فيه، إذ يجب أن نفرق بين سيف بن عمر

باعتباره محدثاً من جهة وباعتباره إخبارياً من جهة أخرى، فالطعن فيه من جهة

الحديث وهو أمر صحيح لا ينسحب بالضرورة على الأخبار التي يرويها.

أثنى الحفاظ على سيف بالخبرة والمعرفة في التاريخ، فقال الحافظ الذهبي:

كان إخبارياً عارفاً [34]، وقال الحافظ ابن حجر: ضعيف في الحديث عمدة في

التاريخ [35].

على أن الحافظ ابن حجر لم يرض باتهامه بالزندقة وقال: أفحش ابن حبان

القول فيه [36].

ولسنا ندري كيف يصح اتهامه بذلك وروايته في الفتنة وحديثه جرى بين

الصحابة رضوان الله عليهم أبعد ما يكون عن أسلوب الزنادقة، وكيف يستقيم

اتهامه بالزندقة وهو الذي فضح وهتك سر الزنادقة!

ويمكن القول: إن رواية سيف بعيدة كل البعد أن تضعه موضع هذه التهمة،

بل هي تستبعد ذلك، إذ إن موقفه فيها هو موقف رجال السلف في احترامه

للصحابة وتنزيهه لهم عن فعل القبيح، فقد انتحى جانباً عن أبي مخنف والواقدي

فعرض تسلسلاً تاريخياً ليس فيه تهمة للصحابة، بل يُظْهِر منه حرصهم على

الإصلاح وجمع الكلمة، وهو الحق الذي تطمئن إليه النفوس، إذ يسير في اتجاه

الروايات الصحيحة عند المحدثين.

وإذا كان المحدثون يتساهلون في الرواية عن الضعفاء إن كانت روايتهم تؤيد

أحاديث صحيحة موثقة، فلا بأس إذن من الأخذ بهذا الجانب في التاريخ وجعله

معياراً ومقياساً إلى تحري الحقائق التاريخية ومعرفتها، ومن هذا المنطلق تتخذ

الأخبار الصحيحة قاعدة يقاس عليها ما ورد عند الإخباريين مثل سيف والواقدي

وأبي مخنف، فما اتفق معها مما أورده هؤلاء تلقيناه بالقبول، وما خالفها تركناه

ونبذناه.

ومما لا شك فيه أن روايات سيف في أغلبها مرشحة لهذه المعاني، إذ تتفق

وتنسجم مع الروايات الصحيحة المروية عن الثقات فيما يتعلق بوجود ابن سبأ

علاوة على أنها صادرة ومأخوذة عمن شاهد تلك الحوادث أو كان قريباً منها.

أما وصف سيف بالتحيز فأمر غير صحيح، إذ أن تعصب سيف المزعوم

ترده أحوال قبيلته بني تميم وموقفها من الفتنة، فمن المعروف أنهم ممن اعتزل

الفتنة مع سيدهم الأحنف بن قيس يوم الجمل [37]، وبالتالي فإن روايته للفتنة

تشكل من خلال مضمونها على العموم مصدراً حيادياً ومطلعاً في آن واحد.

سادساً - تحميل روايات سيف ما لا تحتمل:

يقول الدكتور الهلابي: وما يهمنا هنا هو الرواية الأولى، إذ أن سيفاً أراد أن

يقول بطريق غير مباشر: إن الخليفة علياً لم ينضم إليه أحد من المهاجرين

والأنصار، وإنما فقط سبعمائة من الكوفيين والبصريين، ومن يكونون هؤلاء

الكوفيين والبصريين في المدينة؟ لابد أنه يريد أن يقول بطريق غير مباشر أيضاً:

إن أنصار الخليفة علي هم قتلة عثمان، مع العلم أنه ذكر في مكان آخر أن قتلة

عثمان من أهل البصرة قتلوا مع حكيم بن جبلة العبدي قبل أن يقدم علي وجيشه

البصرة، فسيف يهدف ضمنياً إلى النيل من الخليفة علي، وفي الوقت نفسه يريد

أن يعارض تلك الروايات التي تبالغ في عدد المشاركين في جيش علي من أهل بدر

خاصة والصحابة من المهاجرين والأنصار عامة [38].

من الملحوظ هنا أن الدكتور الهلابي يحاول جاهداً أن يحمل روايات سيف ما

لا تحتمل من المعاني، ويتجاهل روايات أخرى لا تتفق مع خطه الذي رسمه مسبقاً

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير