تجاه سيف، فيَحْكُم بلا دليل ظاهر على أجزاء من رواياته ويسكت عمداً عن ذكر
أجزاء أخرى لأنها تؤدي الغرض من فهم الروايات بالشكل المطلوب، وهو مع هذا
يستعمل عبارات غير علمية وغير دقيقة مثل: أراد أن يقول بطريق غير مباشر،
يهدف ضمنياً.
فمن المآخذ على الدكتور الهلابي أنه نسب إلى سيف ما لم يرو بقوله: ... إن
الخليفة علياً لم ينضم إليه أحد من المهاجرين.
فالشطر الأخير من هذه العبارة مأخوذ من رواية سيف: وخرج معه أي مع
علي من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين في سبعمائة رجل [39]، أما
الشطر الأول من العبارة: إن الخليفة علياً لم ينضم إليه أحد من المهاجرين
والأنصار فهو من استنتاج الدكتور الهلابي.
وهذا الاستنتاج ليس في محله، إذ يتناقض مع ما رواه سيف حول هذا
الموضوع، فقد ذكر أسماء الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين انضموا إلى
علي، ومن ذلك قوله فأجابه رجلان من أعلام الأنصار: أبو الهيثم بن التيهان وهو
بدري وخزيمة بن ثابت [40]، وقوله: وأرسل علي الحسن وعماراً بعد ابن
عباس ... [41]، فلما نزلوا ذي قار دعا علي القعقاع بن عمرو فأرسله إلى
البصرة [42].
وهؤلاء من المهاجرين، وقوله: قال الشعبي: بالله الذي لا إله إلا هو، ما
نهض في تلك الفتنة إلا ستة بدريين ما لهم سابع أو سبعة ما لهم ثامن [43].
والحق أن الصحابة الذين انضموا إلى علي رضي الله عنه أو إلى مخالفيه
(طلحة والزبير وعائشة ومعاوية رضي الله عنهم) لم يكونوا كثرة كما توحي بذلك
بعض الروايات التي تبالغ في عدد المشاركين من الصحابة في الفتنة، وإنما كانوا
قلة كما جاءت بذلك الأخبار الصحيحة في كتب الحديث.
روى عبدالرزاق في المصنف والإمام أحمد في المسند بسند صحيح عن محمد
بن سيرين قال: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-عشرات
الألوف، فلم يحضرها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين [44].
وروى ابن بطة بإسناده إلى بكير بن الأشج أنه قال: أما إن رجالاً من أهل
بدر لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان، فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم [45].
وروى الحافظ ابن عساكر بسنده إلى الحسن البصري أن رجلاً قال لسعد بن
أبي وقاص: هذا علي يدعو الناس، وهذا معاوية يدعو الناس، وقد جلس عنهم
عامة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال سعد: أما وإني لا أحدثك
ما سمعت من وراء وراء، ما أحدثك إلا ما سمعته أذناي ووعاه قلبي، سمعت
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يقول: إن استطعت أن تكون عبد الله المقتول ولا
تقتل أحداً من أهل القبلة فافعل [46].
هذا وإن رواية سيف عن الصحابة الذين شاركوا في الفتنة تسير في هذا
الاتجاه ولا تحيد عنه.
أما قول الدكتور الهلابي في تساؤلاته: ومن يكونون هؤلاء الكوفيين
والبصريين في المدينة؟ لابد أنه يريد أن يقول سيف بطريق غير مباشر أيضاً إن
أنصار الخليفة علي هم قتلة عثمان، مع العلم أنه ذكر في مكان آخر أن قتلة عثمان
من أهل البصرة قتلوا مع حكيم بن جبلة قبل أن يقدم علي وجيشه البصرة [47].
فصحيحة نسبة القول الأخيرإلى سيف [48]، لكن العبارة الأولى التي فيها
أنه اتهم علياً بأن أنصاره هم قتلة عثمان، فلم يقل بها سيف إطلاقاً، ولا ذكرها
الإمام الطبري في تاريخه، وإنما هي من استنتاج الدكتور الهلابي الذي يتقن علم ما
وراء السطور! ولهذا نقول للأستاذ الهلابي: متى كان المنهج العلمي ضرباً من
ضروب الاستنتاج العقلي المحض في غياب النصوص والروايات؟!
وللإشارة، فإن أسلوب سيف في روايته لأحداث الفتنة ليس فيه أي نيل أو
تجريح لعلي رضي الله عنه بل أثنى عليه بما هو أهله، إذ نقل عن سعيد بن زيد
أنه قال: ما اجتمع أربعة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-ففازوا على
الناس بخير يحوزونه إلا وعلي بن أبي طالب أحدهم [49].
وذكر أن علياً حين انطلق إلى البصرة في إثر طلحة والزبير وعائشة كان
ينوي الإصلاح وجمع الكلمة [50]، كما أثنى على دور القعقاع بن عمرو رسول
علي في تثبيطه أهل الكوفة عن الاشتراك في الفتنة أولاً [51]، ثم في مساعيه
الإصلاحية بين علي ومخالفيه في البصرة ثانياً [52].
سابعاً - منهج عجيب إزاء الأحاديث النبوية:
يقول المؤلف: ومع أني أرجح أن (حديث الحوأب حديث موضوع ... [53].
¥