أصحاب علي:
نجيب إلى كتاب الله، فقال لهم علي: (عباد الله امضوا على حقكم وصدقكم
وقتال عدوكم، فإن معاوية وعمراً، وابن أبي معيط، وحبيباً، وابن أبي سرح،
والضحاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم منكم، فقد صحبتهم أطفالاً
ثم رجالاً فكانوا شر أطفال وشر رجال ... ) [16].
إذا كانت هذه الرواية - وأمثالها كثير- لا تليق بمقام الصحابة فلا أدري لماذا
يكثر من ذكرها (ابن الأثير)؟ دون أن يعلق على كثير منها.
فإن قيل: إن مجمل الروايات التي ساقها إنما سبقه بذكرها الإمام الطبري في
(تاريخه) وابن الأثير في (مقدمته) أبان أنه اعتمد فيما شجر بين الصحابة على
الطبري، فلا لوم عليه في ذلك؛ أجيب بأن هناك فارقاً في المنهج بينهما، فالطبري
وإن لم يعلق على هذه الروايات المنكرة فقد صرح في مقدمته أن في تاريخه ما
يستشنع وإن ذلك كان من قبل الرواة، ورأى الطبري أن إسناده كل رواية إلى
رواتها يعفيه من التبعة، ويجعل الحكم للقارئ يحكم معرفته بالرواة، والأمر يختلف
عند ابن الأثير الذي جعل من منهجه -أحياناً - الحكم على الروايات، والتعليق
على بعض الروايات، وكان جديراً به أن يعلق على هذه المرويات المنكرة، كما
صنع الحافظ (ابن كثير) الذي قال -في معرض حديثه عن هذه الروايات -: «ثم
ذكر أهل السير كلاماً طويلاً جرى بينهم -يعني معاوية وأصحابه - وبين علي،
وفي صحة ذلك عنهم وعنه نظر، فإن في مطاوي ذلك الكلام من علي ما ينتقص
فيه معاوية وأباه، وأنهم إنما دخلوا في الإسلام ولم يزالا في تردد فيه وغير ذلك [17].
وحين تعرض لرواية أبي مخنف في لعن علي معاوية ومن معه، ثم لعن
معاوية علياً ومن معه، قال:
«ولا يصح هذا والله أعلم» [18].
2 - وفي الدولة العباسية، وحين حديثه عن الخليفة (المتوكل) قال:
وفي سنة 236 هـ أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي عليه السلام،
وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يبذر ويسقى موضع قبره، وأن يمنع
الناس من إتيانه .. وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام
ولأهل بيته، وكان يقصد من يبلغه عنه أن يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم وكان
من ندمائه من يسخر من علي -رضي الله عنه- وقيل أن المتوكل كان يبغض من
تقدمه من الخلفاء: المأمون، والمعتصم، والواثق في محبة علي وأهل بيته، وإنما
كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي، منهم علي بن
الجهم الشاعر الشامي من بني شامة ابن لؤي، وعمر بن فرح الرخجي، وأبو
السمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالى بني أمية، وعبد الله ابن محمد بن
داود الهاشمي المعروف بابن أترجه، وكانوا يخوفونه من العلويين، ويشيرون عليه
بإبعادهم والإعراض عنهم والإساءة إليهم، ثم حسنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين
يعتقد الناس علو منزلتهم في الدين، ولم يبرحوا به حتى ظهر فيه ما كان، فغطت
هذه السيئة جميع حسناته، وكان من أحسن الناس سيرة، ومنع الناس من القول
بخلق القرآن إلى غير ذلك من المحاسن) [19].
وهذه الرواية حين نرجع إلى الطبري لا نجدها بهذا السياق، بل نجد الطبري
يكتفي بسياق الحادثة (هدم قبر الحسن وما حوله، وحرث وإسقاء فوضع القبر) [20].
فلماذا أطال ابن الأثير في ذكرها مؤكداً على بغض المتوكل لعلي وأهل بيته،
بل كان يبغض من كان محباً لعلي من الخلفاء قبله؟ وهل صحيح أن «ندماء
المتوكل كانوا مشهورين بالبغض لعلي؟ وإذا كان الإمام أحمد من مستشاري
المتوكل [21] فهل لهذا اكتفى بالإشارة إلى وفاته مجرد إشارة؟! [22].
وعلى فرض تسليمنا بكون المتوكل فيه (نصب) [23] فهل يستحق من ابن
الأثير أن يقول عنه: «إن هذا من الأسباب التي استحل بها المنتصر قتله! ويقول:
إن هذه السيئة غطت جميع حسناته؟! وهو الخليفة الذي أثنى عليه طائفة من
العلماء فقال: خليفة بن خياط (ت 240 تقريبًا):
استخلف المتوكل فأظهر السنة - وتكلم بها في مجلسه، وكتب إلى الآفاق
برفع المحنة وبسط السنة ونصر أهلها [24]. وقال ابن خلكان: رفع المحنة في
الدين وأخرج أحمد بن حنبل من الحبس وخلع عليه [25]. وقال ابن تيمية:
«وفي أيام المتوكل عز الإسلام حتى ألزم أهل الذمة بالشروط العمرية، وألزموا
الصغار، فعزت السنة والجماعة، وقمعت الجهمية والرافضة ونحوهم» [26].
¥