تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[20 - 05 - 05, 07:06 ص]ـ

أدب وتاريخ

ابن الأثير وموقفه من الدولة العبيدية

وبعض الدول المعاصرة لها

محمد العبدة

كنت أعلم أن للمؤرخ ابن الأثير موقفاً من الدولة العبيدية - التي تسمى

بالفاطمية- يتعلق بتصحيح نسبهم إلى علي -رضي الله عنه-، وهي القضية التي

أثير حولها جدل كبير بين القدماء والمعاصرين، وكنت أظن أن الأمر يتعلق

بموضوع النسب فقط، وهو شبيه بموقف ابن خلدون أيضاً، وإن كانا قد خالفا في

هذه المسالة أكثر علماء الأمة ومؤرخيها. ولكن من خلال قراءتي لأحداث القرنين

الرابع والخامس في (الكامل) تبين لي أن ابن الأثير لا يصحح النسب فقط، بل هو

متعاطف مع هذه الدولة بشكل عام، فهو يمدح ملوكهم ويبرز محاسنهم ولا يذكر

عيوبهم، ويؤكد في كل مرة يترجم لأحدهم بقوله: (الخليفة العلوي)، كأنه يريد أن

يرسخ هذا في ذهن القارئ، ثم تبين لي أنه يغرق في مدح بعض ملوك الدولة

البويهية وأمراء الدولة الأسدية والحمدانية، وهذه الدول والإمارات كلها غير

سنية.

ثم رجعتُ إلى حوادث المائة الأولى من الهجرة، لأرى كيف عرض

لموضوع الدولة الأموية والأحداث التي عاصرتها، فتأكد لي هذا الاتجاه عنده.

ونحن لا نريد مناقشة ابن الأثير حول نسب العبيديين، فقد كتب الكثير حول

هذا الموضوع، وآراء العلماء والمؤرخين الذين دحضوا نسبهم وكذبوهم فيه

موجودة معروفة لمن أرادها، ولكن سنكتفي بذكر أعمالهم القبيحة التي لم يشر إليها

هذا المؤرخ ولم يعلق عليها أو ينتقدها، مع أنه نقد أعمال غيرهم من الملوك الذين

هم أفضل منهم بكثير، بل لا يقارنون بهم، ومع أن ابن الأثير من أسرة علمية

مشهورة، فهو صاحب (أسد الغابة في معرفة الصحابة)، وأخوه مجد الدين أبو

السعادات صاحب (جامع الأصول)، ووالده من كبار موظفي الدولة الزنكية، وهي

دولة سنية، وعاش في مدينة سنية وهي الموصل، وقد تتبعت من كتب عنه أو

ترجم له أو لمن أخذ عنهم من العلماء؛ فلم أجد جواباً شافياً عن السؤال المتبادر: ما

هو سبب هذا الاتجاه عند ابن الأثير؟؛ وقد انتقدوه لتحامله أحياناً على صلاح

الدين الأيوبي، وعللوا ذلك بتعصبه للأسرة الزنكية والأخلاق، ولكن لم يشيروا إلى

مدحه لملوك الدولة العبيدية وغيرهم مما سنوضحه في هذا المقال، ولعل الله ييسر

لنا الاطلاع على مصادر أخرى، لنحاول كشف أسباب هذا الميل عند مؤرخنا

الكبير.

الدولة العبيدية:

نشأت هذه الدولة في المغرب بين قبائل تجهل الإسلام؛ فانخدعوا بدعوة أبي

عبد الله الشيعي، وناصروه حتى استقر له الأمر، واطمئن فكتب إلى رئيسه

الباطني في مدينة (سلمية) في بلاد الشام أن يقدم إليه، فلما دخل المغرب تسمَّى

بعبيد الله، ولقَّب نفسه بالمهدي، والعلماء يقولون: إن اسمه سعيد، وهو من ولد

ميمون القداح الملحد المجوسي. وعندما تمكن عبيد الله بطش بأقرب الناس إليه

والذي أسس له الملك، داعيته أبي عبد الله الشيعي، وبطش بالمخالفين من قبيلة

(كتامة)، ولم يعلق ابن الأثير على ظلمه هذا، بينما نجده ينتقد ما فعله عبد الملك

بن مروان بعمرو بن سعيد الأشدق حين غدر به وقتله، فقال:» وكان عبد الملك

أول من غدر في الإسلام «[1]، وعندما ذكر كلام عبد الملك في مرضه الأخير

وهو يذم الدنيا ويحذر من الآخرة قال:» ويحق لعبد الملك أن يحذر هذا ويخاف،

فإن من يكون الحجاج بعض سيئاته، علم أيَّ شيء يقدم عليه «[2]، أما ما فعله

عبيد الله بالعلماء العاملين الذين كرهوا دولته وعقيدته الفاسدة كالإمام أبى جعفر

محمد بن خيرون المعافري، حين قتل تحت أرجل زبانية عبيد الله [3]، فهذا لا

يذكره ابن الأثير، وجرائم عبيد الله وذريته بعلماء أهل السنة كثيرة كابن البردون

الإمام الشهيد، الذي قتله داعية عبيد الله صلباً [4]، والإمام الشهيد قاضي مدينة

برقة محمد بن الحبلي الذي قتله إسماعيل الملقب بالمنصور، وهو حفيد عبيدالله.

يقول الذهبي: علق في الشمس إلى أن مات، وكان يستغيث من العطش فلم يسق،

ثم صلبوه، فلعنة الله على الظالمين [5].

يقول المؤرخ عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي الملقب بأبي شامة عن عبيد

الله:» وكان زنديقاً خبيثاً عدواً للإسلام، متظاهراً بالتشيع، قتل من الفقهاء

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير