والمحدثين جماعة كثيرة، ونشأت ذريته على ذلك، وكان يرسل إلى الفقهاء
والعلماء فيذبحون في فرشهم، وأرسل إلى الروم وسلطهم على المسلمين «[6].
ويقول عن أولاده:» ولما هلك قام ابنه المسمى بالقائم، وزاد شره على شر
أبيه أضعافاً، وجاهر بشتم الأنبياء «[7].
هذا رأي كثير من علماء المسلمين والمؤرخين في ذرية عبيد الله، ولكن ابن
الأثير في ترجمته لملوك هذه الدولة لا يكتفي بالسكوت عن مساوئهم، بل يمدحهم
ويطريهم، ويحاول التهوين من شأن عقائدهم المخالفة لعقائد أهل السنة. قال في
ترجمة معد بن إسماعيل الملقب بالمعز، وهو رابع ملوكهم:» وكان فاضلاً جواداً،
شجاعاً، جارياً على منهاج أبيه من حسن السيرة وإنصاف الرعية، وستر ما
يدعون إليه إلا عن الخاصة، ثم أظهر، وأمر الدعاة بإظهاره، إلا أنه لم يخرج فيه
إلى حد يذم به «[8].
وإذا كان سب الصحابة وإكراه الناس على عقائدهم الفاسدة شيء لا يذم، فمتى
إذن يذمون؟!.
وحاول مرة أخرى الاعتذار عن شاعر (المعز) محمد بن هانئ الذي قتل في
برقة وهو مرافق لسيده في انتقاله إلى مصر، قال:» وكان من الشعراء المجيدين
إلا أنه غالى في مدح المعز، حتى كفَّره العلماء لقوله:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
وبعد أن سرد له أشعاراً أخرى توجب الكفر قال:» وبالجملة فقد جاوز حد
المديح «، هكذا مجاوزة فقط، وليس كفراً صريحاً.
وبعد أن استقر المقام للمعز في مصر أرسل أحد قواده لأخذ بلاد الشام،
واستطاع هذا القائد احتلال دمشق، إلا أن الشريف أبا القاسم الهاشمي جمع الناس
للمقاومة، فقال ابن الأثير:» فجمع أحداثها، ومن يريد الفتنة، فثار بهم في
الجمعة الثانية، وأبطل الخطبة للمعز «[9].
والمعز هذا الذي يقول عنه ابن الأثير:» وكان فاضلاً «كان مغرمَّاً بالنجوم
ويعمل بأقوال المنجمين، وقد أشار عليه أحدهم أن يختفي سنة كذا لأنها شؤم عليه،
فعمل سرداباً واختفى فيه، فكان أحد جنوده إذا رأى سحاباً سلم عليه ظناً منه أن
المعز فيه [10]، وهذا يدل على تشجيعه للغلو فيه.
وجاء بعد المعز ابنه نزار الملقب بـ (العزيز) الذي استوزر يعقوب بن
يوسف ابن كلس، وهو يهودي الأصل، ثم عيسى بن نسطورس النصراني الذي
استناب على الشام يهودياً يعرف بـ (منشا)، فارتفعت كلمة النصارى واليهود في
عهد هذا الوزير، وكان وزير المنصور الملقب ب: (الحاكم) وزيراً نصرانياً اسمه
فهد بن إبراهيم. كما أن وزير الحافظ كان بهرام الأرمني الذي استقطب حوله أبناء
جنسه وأساء السيرة، حتى اضطر للهرب إلى بلاد الشام [11].
وأما أفعال (الحاكم) القبيحة، ومحاولة ادعائه الربوبية، وتصرفاته الغريبة
المتناقضة فهي مشهورة معلومة، وفي أواخر عهد العبيديين: استعانوا بالروم خوفاً
من توسع دولة نور الدين زنكي، مما اضطره لإرسال صلاح الدين الأيوبي لإنقاذ
مصر من الخطر المحدق بها.
والخلاصة أنها دولة باطنية إسماعيلية ابتلي بها المسلمون أكثر من قرنين.
مع البويهيين:
ليس من العسير لمن يقرأ ما كتبه ابن الأثير في (الكامل) أن يحس بتعاطفه
مع الدولة البويهية، فهو لا يذكرهم إلا مادحاً معظماً الأوائل منهم، بل يغالي في
المديح أحياناً عندما يعتبر وفاة ركن الدولة الحسن بن بويه مصيبة للدين والدنيا معاً،
ثم يقول في نهاية ترجمته: (رضي الله عنه وأرضاه).
وفي ترجمته لمعز الدولة البويهي -وهو ثالث الإخوة الذين حكموا العراق
وبلاد فارس-، يقول ابن الأثير:» وكان حليماً كريماً عاقلاً «. أما ابن كثير
فيقول عنه:» بنى داراً ببغداد، فخرب معالم بغداد بسببها، وكان رافضياً خبيثاً،
وفي عهده كتبت العامة من الروافض على أبواب المساجد بلعن كبار الصحابة من
الخلفاء الراشدين ولم ينكر عليهم معز الدولة، ولم يغيِّره، قبَّحه الله وقبح شيعته من
الروافض «[12].
ويقول ابن الأثير عن عضد الدولة بن ركن الدولة الحسن بن بويه:» وكان
عاقلاً فاضلاً، حسن السياسة، كثير الإصابة، محباً للفضائل وأهلها «[13].
والحقيقة: أن عضد الدولة لا يختلف كثيراً عن (معز الدولة)، وكان وزيره
نصر بن هارون نصرانياً، وهو الذي أنفق سنة كاملة لعمارة المشهد العلوي [14].
¥