تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والدولة البويهية كانت من الأسباب القوية لإضعاف الخلافة العباسية، بل فكَّر

ملوكها بإزالة الخلافة عن بني العباس ونقلها إلى الطالبيين، لولا النصيحة التي

جاءت بأن وجود خليفة عباسي ضعيف خير من وجود خليفة طالبي تزول بوجوده

شرعية البويهيين أمام أتباعهم الشيعة، ومع ذلك فقد كانوا مستهترين بالخلافة، فقد

نهب بهاء الدولة قصر الخليفة الطائع وقبض عليه وخلعه من الخلافة، وكانت

للدولة البويهية صلات جيدة مع القرامطة الباطنيين [15].

ولم يقدموا أي مساعدة للمسلمين الذين قدموا بغداد سنة 361 هـ مستغيثين

من الروم، وكان السلطان البويهي في رحلة صيد في الكوفة فخرج أهل بغداد

منكرين عليه ذلك، فوعدهم بالمساعدة، ثم إن " بختيار " طلب من الخليفة مالاً

لتجهيز الناس، وأجبره على دفع المال، ثم صرفه في مصالحه الخاصة وبطل

حديث الغزاة [16].

الإمارة الأسدية:

عندما ضعفت الخلافة العباسية طمع كل صاحب قوة في اقتسامها، وأخذ

جزءاً منها ليعلن فيه مملكته ولو كانت هذه المملكة مدينة صغيرة، وفي هذا الجو

من التمزق والأنانية وجدت الإمارة الأسدية، نسبة إلى بني أسد بن خزيمة، وأول

أمرائهم المشهورين: علي بن مزيد، ثم ابنه المنصور، وبرزت في عهد صدقة بن

منصور الذي أنشأ مدينة الحلة [17] واتخذها عاصمة قبيلته وإمارته، كما اتخذوا

التشيع عقيدة لهم.

هذه الإمارة مثل بقية الدول الصغيرة التي عاشت في هذا العصر، تعيش على

التناقضات والتحالفات مع السلاطين الأقوياء ولا تهتم بمصلحة عامة، فهي لا تقيم

ديناً ولا دنيا، وإن كان أمراؤها الأوائل من أصحاب الشجاعة والكرم.

وابن الأثير يمدح هؤلاء الأمراء ولا يذكر مساوئهم، وأهمها: الخروج على

الخليفة وعلى السلطان السلجوقي، وإفناء الناس بحروب تخدم مصلحتهم، فقد قتل

صدقة بن دبيس في قتاله مع السلطان محمد بن ملكشاه وهو عند مؤرخنا (من

محاسن الدنيا). أما ابنه دبيس بن صدقة فقد عاث في الأرض فساداً، فاضطر

الخليفة لقتاله، ودارت الدائرة على دبيس فانهزم وفر إلى شمالي الجزيرة، والتحق

بالفرنج وحضر معهم حصار حلب وحسن لهم أخذها، ثم فارقهم والتحق بالملوك

السلاجقة، ثم قتله السلطان مسعود بن محمد، يقول الذهبي:» وأراح الله الأمة

منه، فقد نهب وأرجف وفعل العظائم «[18].

استمرت هذه الإمارة بعد دبيس ضعيفة ممزقة قائمة على النهب والسلب

والإفساد، مما اضطر الخليفة أن يأمر بإجلاء بني أسد عن الحلة، وذلك عام

558 هـ.

الصليحيون:

كما يمدح ابن الأثير علي بن محمد الصليحي الذي ملك اليمن كلها عام

455 هـ، وكان داعية للدولة العبيدية في مصر، فيقول عنه:» ودخل مكة مالكاً

لها، وظهرت منه أفعال جميلة «[19]، ولا يذكر أنه على مذهب العبيديين.

وقد يقال: إن ابن الأثير مؤرخ حيادي، يذكر ما سمعه، وما نقله، ولا

يتدخل في النصوص، وإنما يعرضها كما وجدها، ويترك مهمة البحث والنقد لغيره.

ولكننا نراه في مواضع أخرى ينتقد أو لا يذكر محاسن بعض الملوك، ويمدح في

حين يمدح غيرهم كما مدح ملوك البويهيين والعبيديين.

فعندما ترجم للخليفة عبد الرحمن الناصر الأموي صاحب الأندلس لم يزد على

أن ذكر أوصافه الجسمية، وكم بقى في الحكم، ولم يذكر شيئاً من حسناته وفتوحاته

وجهاده مع الفرنجة، واكتفى بالقول في نهاية الترجمة:» وكان ناسكاً «[20].

هذه أمثلة من مزالق خفية، أردت التنبيه عليها، والقصد هو تنقيح تاريخنا

وتصحيحه، ولم أرد من ورائها تنقص ابن الأثير، ولا التهوين والإقلال من قيمة

كتابه (الكامل)، فهو مجهود عظيم يستحق التقدير.


(1) الكامل 4/ 522.
(2) المصدر السابق 4/ 521.
(3) سير أعلام النبلاء 14/ 217.
(4) المصدر السابق 14/ 216.
(5) المصدر السابق 15/ 374.
(6) الروضتين في أخبار الدولتين 1/ 201.
(7) المصدر السابق 1/ 202.
(8) الكامل 8/ 665.
(9) المصدر السابق 8/ 591.
(10) المصدر السابق 8/ 664.
(11) د محمد ماهر حمادة: الوثائق السياسية 4/ 44.
(12) البداية والنهاية 11/ 256.
(13) الكامل 9، / 19.
(14) المظفري: تاريخ الشيعة /212.
(15) الكامل 8/ 615.
(16) المصدر السابق 8/ 618.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير