بلغنا أن الحسين لم يعجبه ما عمل أخوه الحسن من تسليم الخلافة إلى معاوية بل كان رأيه القتال ولكنه كظم وأطاع أخاه وبايع وكان يقبل جوائز معاوية ومعاوية يرى له ويحترمه ويجعله فلما أن فعل معاوية ما فعل بعد وفاة السيد الحسن من العهد بالخلافة إلى ولده يزيد تألم الحسين وحق له وامتنع هو وابن أبي بكر وابن الزبير من المبايعة حتى قهرهم معاوية وأخذ بيعتهم مكرهين وغلبوا وعجزوا عن سلطان الوقت فلما مات معاوية تسلم الخلافة يزيد وبايعه أكثر الناس ولم يبايع له ابن الزبير ولاالحسين وأنفوا من ذلك ورام كل واحد منهما الأمر لنفسه وسارا في الليل من المدينة.
وهذه مجموعة من الآثار عن ابن عمر في هذا الشأن وموقفه من هذا الأمر وهذه الأسانيد أغلبها عند ابن سعد في الطبقات وقد صحح محقق السير كثيراً منها
العوام بن حوشب: عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر: قال يوم دومة جندل: جاء معاوية على بختي عظيم طويل، فقال: ومن الذي يطمع في هذا الأمر ويمد إليه عنقه؟ فما حدثت نفسي بالدنيا إلا يومئذ. هممت أن أقول: يطمع فيه من ضربك وأباك عليه، ثم ذكرت الجنة ونعيمها، فأعرضت عنه.
حماد بن زيد: عن أيوب، عن نافع ; أن معاوية بعث إلى ابن عمر بمائة ألف، فلما أراد أن يبايع ليزيد، قال: أرى ذاك أراد، إن ديني عندي إذا لرخيص.
وقال محمد بن المنكدر: بويع يزيد، فقال ابن عمر لما بلغه: إن كان خيرا رضينا، وإن كان بلاء صبرنا.
ابن علية: عن ابن عون، عن نافع، قال: حلف معاوية على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليقتلن ابن عمر، يعني وكان ابن عمر بمكة. فجاء إليه عبد الله بن صفوان، فدخلا بيتا، وكنت على الباب، فجعل ابن صفوان يقول: أفتتركه حتى يقتلك؟! والله لو لم يكن إلا أنا وأهل بيتي، لقاتلته دونك.فقال: ألا أصير في حرم الله؟ وسمعت نحيبه مرتين، فلما دنا معاوية تلقاه ابن صفوان، فقال: إيها جئت لتقتل ابن عمر. قال: والله لا أقتله.
مسعر: عن أبي حصين: قال معاوية: من أحق بهذا الأمر منا؟ وابن عمر شاهد، قال: فأردت أن أقول: أحق به منك من ضربك عليه وأباك، فخفت الفساد.
معمر: عن الزهري، عن سالم، عن أبيه وابن طاوس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عمر، قال: دخلت على حفصة ونوساتها تنطف، فقلت: قد كان من الناس ما ترين، ولم يجعل لي من الأمر شيء. قالت: فالحق بهم، فإنهم ينتظرونك،. وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة، فلم يرعه حتى ذهب. قال: فلما تفرق الحكمان، خطب معاوية، فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر، فليطلع إلي قرنه، فنحن أحق بذلك منه ومن أبيه ; يعرض بابن عمر.
قال حبيب بن مسلمة: فهلا أجبته فداك أبي وأمي؟ فقال ابن عمر: حللت حبوتي، فهممت أن أقول: أحق بذلك منك من قاتلك وأباك على الإسلام. فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع، ويسفك فيها الدم، فذكرت ما أعد الله في الجنان.
وقال سلام بن مسكين: سمعت الحسن يقول: لما كان من أمر الناس ما كان زمن الفتنة، أتوا ابن عمر، فقالوا: أنت سيد الناس وابن سيدهم، والناس بك راضون، اخرج نبايعك. فقال: لا والله لا يهراق في محجمة من دم ولا في سببي ما كان في روح.
جرير بن حازم: عن يعلى، عن نافع، قال: قال أبو موسى يوم التحكيم: لا أرى لهذا الأمر غير عبد الله بن عمر. فقال عمرو بن العاص لابن عمر: إنا نريد أن نبايعك، فهل لك أن تعطى مالا عظيما على أن تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليه منك؟ فغضب، وقام. فأخذ ابن الزبير بطرف ثوبه، فقال: يا أبا عبد الرحمن إنما قال: تعطي مالا على أن أبايعك. فقال: والله لا أعطي عليها ولا أعطى ولا أقبلها إلا عن رضى من المسلمين.
قلت: كاد أن تنعقد البيعة له يومئذ، مع وجود مثل الإمام علي وسعد بن أبي وقاص، ولو بويع، لما اختلف عليه اثنان، ولكن الله حماه وخار له.
ونقول في الأخير رضي الله عن جميع الصحابة المصيب والمخطئ وهم إلى خير وما عملوه من الحسنات وتغبيرهم في سبيل الله وصحبتهم لرسول الله مكفر لجميع ماصدررمنهم من أخطاء وزلات وهم بشر غير معصومين والعصمة للأنبياء ونرفض الطعن في أي أحد منهم
الخوض في هذه المسائل لا ينبغي لأن فيه فتح باب لأهل التشيع والفتن
¥