و مما يحسن ذكره هنا أيضاً أن ابن سبأ كان أسود اللون، و هذا يرجح كون أمه من الحبشيات، ذكر ابن عساكر في تاريخه (29/ 7 - 8): عن عمار الدهني قال: سمعت أبا الطفيل يقول: رأيت المسيب بن نجبة أتى به ملببة – أي ملازمه - يعني ابن السوداء و علي على المنبر، فقال علي: ما شأنه؟ فقال: يكذب على الله وعلى رسوله، و جاء من طريق زيد بن وهب عن علي قال: ما لي ومال هذا الحميت الأسود، و من طريق سلمة قال: سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي، قال: ما لي ومال هذا الحميت الأسود، و جاء أيضاً من طريق زيد قال: قال علي بن أبي طالب: ما لي ولهذا الحميت الأسود، يعني عبد الله بن سبأ وكان يقع في أبي بكر و عمر.
و يبقى بعد ذلك الأصل اليهودي لابن سبأ، هل هو محل اتفاق أم تتنازعه الآراء؟
يفترض المستشرق Hodgeson أن ابن سبأ ليس يهودياً في أغلب الاحتمالات، مشايعاً في ذلك للمستشرق الإيطالي Levi Della Vida الذي يرى أن انتساب ابن سبأ إلى قبيلة عربية هي (همدان) كما في نص البلاذري الذي وقف عنده (ليفي ديلا فيدا) يمنع من أن يكون يهودياً. و هو كما يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي في مذاهب الإسلاميين (2/ 30): (استنتاج لا مبرر له، فليس هناك من تناقض بين أن يكون المرء يهودياً وأن يكون من قبيلة عربية.
وابن قتيبة رحمه الله أشار إلى يهودية بعض القبائل كما في المعارف (ص 266) حيث يقول: (كانت اليهودية في حمير و بني كنانة و بني الحارث بن كعب و كندة.
و فوق ذلك فإن الاتجاه الغالب في يهود اليمن أن أكثرهم من أصل عربي، كما قال الدكتور جواد علي في تاريخ العرب قبل الإسلام (6/ 26).
و مع ذلك فليس مقطوعاً بانتساب ابن سبأ إلى همدان – كما مر معنا – و حتى لو قطع بذلك، فهل هذا الانتساب لهمدان، انتساب على الحقيقة أم بالولاء؟!
و لئن كان هذا الشك في يهودية ابن سبأ عند بعض المستشرقين، إنما جاء نتيجة اعتراض يقيني بأن ابن سبأ في تصوراته عن المهدي كان متأثراً بالإنجيل أكثر من تأثره بالتوراة، و هو اعتراض قد يقلل من يهودية ابن سبأ، إلا أن هذا الاعتراض يضعف حينما نتبين رأي بعض الباحثين في طبيعة اليهودية في بلاد اليمن – في تلك الفترة – وأنها امتزجت فيها المسيحية بالموسوية، و كانت يهودية سطحية، وأن يهودية ابن سبأ ربما كانت أقرب إلى يهودية (الفلاشا) و هم يهود الحبشة، و هذه اليهودية شديدة التأثر بالمسيحية الحبشية. مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي (2/ 28).
و هذا الأصل اليهودي لابن سبأ لم يكن محل خلاف في الروايات التاريخية، أو لدى كتب الفرق، و في آراء المتقدمين، أمثال: الطبري وابن عساكر وابن الأثير والبغدادي وابن حزم، وأمثال شيخ الإسلام، عليم رحمه الله.
سبب الاختلاف في تحديد هوية ابن سبأ:-
لا غرابة أن يحدث هذا الاختلاف الكبير بين أهل العلم في تحديد هوية و نسب ابن سبأ، فعبد الله بن سبأ قد أحاط نفسه بإطار من الغموض والسرية التامة حتى على معاصريه، فهو لا يكاد يعرف له اسم ولا بلد، لأنه لم يدخل في الإسلام إلا للكيد له، و حياكة المؤامرات والفتن بين صفوف المسلمين، و لهذا لما سأله عبد الله بن عامر والي البصرة لعثمان بن عفان رضي الله عنه، قال له: ما أنت؟ لم يخبره ابن سبأ باسمه و اسم أبيه، و إنما قال له: إنه رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام و رغب في جوارك. تاريخ الطبري (4/ 326 - 327).
و في رأيي أن تلك السرية التامة التي أطبقها ابن سبأ على نفسه سبب رئيسي في اختلاف المؤرخين والمحققين في نسبة ابن سبأ، و غير مستبعد أن يكون ابن سبأ قد تسمى ببعض هذه الأسماء التي ذكرها المؤرخون، بل واستعمل بعض الأسماء الأخرى المستعارة لتغطية ما قام به من جرائم و دسائس في صدر الدولة الإسلامية.
نشأة ابن سبأ:-
على ضوء ما تقدم من المعلومات السابقة – في المقال السابق -، أمكننا الوقوف على الأجواء التي نشأ فيها ابن سبأ، و نستطيع أن نحدد عدد من النقاط:-
1 - بتغليب الروايات السابقة نجد أن ابن سبأ نشأ في اليمن، سواء كان من قبيلة حمير أو همدان، ولا نستطيع الجزم بأيهما.
¥