2 – كان لليهود وجود في اليمن، غير أنه لا نستطيع أن نحدد وقته على وجه الدقة، و قد رجح بعض الأساتذة أنه يرجع إلى سنة (70م) و ذلك حينما نزح اليهود من فلسطين بعد أن دمرها الإمبراطور الروماني (تيتوس) و حطم هيكل (أورشليم) وعلى إثر ذلك تفرق اليهود في الأمصار و وجد بعضهم في اليمن بلداً آمناً فالتجأوا إليه، و بعد أن استولى الأحباش على اليمن سنة (525م) بدأت النصرانية تدخل اليمن. اليمن عبر التاريخ لأحمد حسين (ص 158 - 159).
3 – على إثر هذا امتزجت تعاليم (التوراة) مع تعاليم (الإنجيل) و كانت اليهودية في اليمن يهودية سطحية. مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي (2/ 28).
4 – و لكن اليهودية و إن ضعفت في اليمن بدخول الأحباش فيها، فإنها بقيت مع ذلك محافظة على كيانها، فلم تنهزم و لم تجتث من أصولها. تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي (6/ 34).
و لعلنا من خلال تلك الإشارات، نستطيع أن نحدد المحيط الذي نشأ فيه عبد الله بن سبأ، والبيئة التي صاغت أفكاره، خاصة في عقيدة (الرجعة) و (الوصية) حينما قال: (لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع و يكذب بأن محمداً يرجع، و قد قال الله عز وجل إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد، فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، و إنه كان ألف نبي و وصي و كان على وصي محمد، ثم قال: محمد خاتم الأنبياء و علي خاتم الأوصياء .. ). تاريخ الطبري (4/ 340).
على كل حال فهي معلومات ضئيلة لا تروي غليلاً، ولا تهدي سبيلاً، و لعل مرد ذلك إلى المصادر التي بين أيدينا، فهي لا تكاد تبين عن نشأة ابن سبأ، كما أن المعلومات عن فتوة ابن سبأ قبل ظهوره غير موجودة، و نحن هنا مضطرون للصمت عما سكت عنه الأولون حتى تخرج آثار أخرى تزيل الغبش و تكشف المكنون.
ظهور ابن سبأ بين المسلمين:-
جاء في تاريخ الطبري (4/ 340) و الكامل لابن الأثير (3/ 77) و البداية والنهاية لابن كثير (7/ 167) و تاريخ دمشق لابن عساكر (29/ 7 - 8) و غيرهم من كتب التاريخ ضمن أحداث سنة (35هـ): أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً من أهل صنعاء وأنه أسلم زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، و أخذ يتنقل في بلاد المسلمين يريد ضلالتهم، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم بالشام، فلم يقدر على شيء فيها، فأتى مصر واستقر بها و وضع لهم عقيدتي الوصية و الرجعة، فقبلوها منه و كوّن له في مصر أنصاراً ممن استهواهم بآرائه الفاسدة.
لكن أين و متى كان أول ظهور لعبد الله بن سبأ بين المسلمين؟
جاء في البداية والنهاية لابن كثير (7/ 183) ضمن أحداث سنة (34هـ)، أن عبد الله بن سبأ كان سبب تألب الأحزاب على عثمان. ثم أورده في أحداث سنة (35هـ) مع الأحزاب الذين قدموا من مصر يدعون الناس إلى خلع عثمان. البداية والنهاية (7/ 190).
أما الطبري (4/ 331) وابن الأثير (3/ 147) فنجد عندهما ذكر لابن سبأ بين المسلمين قبل سنة (34هـ) في الكوفة، (فيزيد بن قيس) ذلك الرجل الذي دخل المسجد في الكوفة يريد خلع عامل عثمان (سعيد ابن العاص) إنما شاركه وثاب إليه الذين كان ابن السوداء يكاتبهم.
و هذا يعني ظهور ابن سبأ قبل هذا التاريخ، و تكوين الأعوان الذين اجتمعوا إلى يزيد بن قيس، و تأكيد ذلك عند الطبري (4/ 326) وابن الأثير (3/ 144)، ففي سنة (33هـ) و بعد مضي ثلاث سنين من إمارة عبد الله بن عامر على البصرة يعلم بنزول ابن سبأ على (حكيم بن جبلة) و تكون المقابلة بين ابن عامر وابن السوداء والتي ذكرتها في بداية الموضوع.
ونستمر في الاستقراء فنجد ظهوراً لابن سبأ بين المسلمين قبل هذا التاريخ، ففي الطبري (4/ 283) و ابن الأثير (3/ 114)، و ضمن حوادث سنة (30هـ) يرد ابن السوداء الشام، و يلتقي بأبي ذر و يهيجه على معاوية – و سنأتي على تحقيق القول في قضية تأثير ابن سبأ على أبي ذر فيما بعد -.
ابن سبأ في الحجاز:-
¥