الرد عليه: إن المؤرخين عند حديثهم عن موضوع معين لا يلتزمون بذكر كل تفاصيل ما جرى في الأحداث والوقائع التي ذكروها في كتبهم، هذا على افتراض مشاركة ابن سبأ في حرب صفين، و على افتراض عدم مشاركته في حرب صفين، هل يعد ذلك دليلاً على عدم وجوده، فيعارض به ما أثبته المؤرخون من وجود ابن سبأ و ما كان له من دور؟! و في اعتقادي أن هذه الشبهة لا تقوى على ما أثبته المؤرخون والمحققون من سنة و شيعة من وجود ابن سبأ.
ثانياً: قالوا: إن أخبار ابن سبأ إنما انتشرت بين الناس عن طريق الطبري، والطبري أخذها عن سيف بن عمر، إذاً فسيف هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ، و سيف هذا كذاب ضعفه علماء الجرح والتعديل.
الرد عليه و سيكون على ثلاثة فروع:-
أ – كون الطبري هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ، و هذه الأخبار جميعها جاءت من طريق سيف بن عمر.
الرد: هذه شبهة باطلة إذ لم ينفرد الطبري وحده بروايات سيف، بل هناك روايات لسيف تتحدث عن ابن سبأ لا توجد عند الطبري، و مثاله:
1 - من طريق ابن عساكر (ت 571هـ) في تاريخه (29/ 9)، وقد أورد رواية من طريق سيف بن عمر ليست عند الطبري.
2 - من طريق المالقي (ت 741هـ) في كتابه التمهيد و البيان (ص 54) و قد أورد رواية ليست عند الطبري من طريق سيف بن عمر.
3 - من طريق الذهبي (ت 748هـ) في كتابه تاريخ الإسلام (2/ 122 - 123) و هذه الرواية أيضاً غير موجودة في الطبري.
فهذه الطرق الثلاثة تدلنا على أن الطبري لم ينفرد بروايات سيف بن عمر عن ابن سبأ، و أنه ليس المصدر الوحيد لهذه الأخبار.
ب – كون سيف بن عمر هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ.
الرد: هذه الشبهة أيضاً غير صحيحة، فقد ثبتت روايات ذكر فيها ابن سبأ لم يكن سيف في سندها، و إن الذي يتبين لنا من خلال البحث والتنقيب أن سيف بن عمر ليس هو المصدر الوحيد لأخبار عبد الله بن سبأ، و سأورد هنا عدد من النصوص لابن عساكر تذكر ابن سبأ لا ينتهي سندها إلى سيف بن عمر، و قد اخترت تاريخ ابن عساكر بالذات لأنه يعتمد في روايته للأخبار على السند كما هو حال الطبري في تاريخه.
الرواية الأولى: ذكرها ابن عساكر بسنده إلى الشعبي، قال: أول من كذب عبد الله بن سبأ.
الرواية الثانية: ذكرها ابن عساكر بسنده إلى عمار الدهني، قال: سمعت أبا الطفيل يقول: رأيت المسيب بن نجبة أتى به يلببة - يعني ابن السوداء -، و علي على المنبر، فقال علي: ما شأنه؟ فقال: يكذب على الله وعلى رسوله.
الرواية الثالثة: ذكرها ابن عساكر بسنده إلى زيد بن وهب عن علي قال: ما لي و ما لهذا الحميت الأسود؟.
الرواية الرابعة: ذكرها ابن عساكر بسنده إلى شعبة عن سلمة قال: قال سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي عليه السلام قال: ما لي وما لهذا الحميت الأسود؟.
الرواية الخامسة: ذكرها ابن عساكر بسنده إلى شعبة عن سلمة بن كهيل عن زيد قال: قال علي بن أبي طالب ما لي ولهذا الحميت الأسود؟ - يعني عبد الله بن سبأ – وكان يقع في أبي بكر وعمر.
الرواية السادسة: ذكرها ابن عساكر بسنده إلى سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي الكندي قال: رأيت علياً كرم الله وجهه وهو على المنبر، وهو يقول: من يعذرني من هذا الحميت الأسود، الذي يكذب على الله ورسوله؟ - يعني ابن السوداء – لولا أن لا يزال يخرج عليّ عصابة تنعى عليّ دمه كما أدّعيت عليّ دماء أهل النهر، لجعلت منهم ركاماً.
الرواية السابعة: ذكرها ابن عساكر بسنده إلى أبو الأحوص عن مغيرة عن سماك قال: بلغ عليا أن ابن السوداء ينتقص أبا بكر وعمر، فدعا به، ودعا بالسيف - أو قال: فهمّ بقتله - فكُلّم فيه، فقال: لا يساكني ببلد أنا فيه. قال: فسيره إلى المدائن. تاريخ دمشق لابن عساكر (29/ 7 - 10).
للمزيد حول ورود روايات عبد الله بن سبأ من غير طريق سيف بن عمر راجع الحلقة (3 و 4) من سلسلة مقالات عبد الله بن سبأ.
جـ – كون سيف بن عمر (ت 180هـ) كذاب ضعفه علماء الجرح والتعديل.
الرد: مكانة سيف بن عمر (ت 180هـ) بين الجرح والتعديل، حتى تكون الصورة واضحة للقارئ.
أولاً: سيف بن عمر محدثاً:-
¥