تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما وأن عوامل توافق الشخصيتين ذهاب كل منهما إلى مصر زمن عثمان، فإن استقراء النصوص ومعرفة تاريخها يعطي مفهوماً غير الذي فهمه النافين لوجود ابن سبأ، و بالتالي ينتصب هذا العامل دليلاً على استقلال كل من الشخصيتين، فعمار إنما بعثه عثمان إلى مصر سنة (35هـ)، بينما كان ظهور ابن سبأ سنة (30هـ) كما في الطبري (4/ 241)، و هو الذي ساق الخبرين، و شيء آخر و هو أن الطبري نفسه أورد أن من الذين استمالوا عماراً في مصر قوم منهم عبد الله بن سبأ. الطبري (4/ 341)، وانظر أيضاً: البداية والنهاية لابن كثير (7/ 167) و الكامل في التاريخ لابن الأثير (3/ 77) و تاريخ ابن خلدون (2/ 1034) فهؤلاء هو كبار المؤرخين و هم جميعاً أثبتوا الشخصيتين؛ شخصية ابن سبأ و شخصية عمار بن ياسر، فكيف لعاقل بعد ذلك أن يقول إنهما شخص واحد؟!

و أما قولهم بأن عمار كان يمانياً، فكل يماني يصح أن يقال له ابن سبأ، فهذا غير صحيح، فليست سبأ إلا جزءاً من بلاد اليمن الواسعة كما قال بذلك ياقوت في معجم البلدان (3/ 181).

وأما قولهم بأن عمار كان يقول بأن عثمان قد أخذ الخلافة بغير حق، و أن صاحبها الشرعي هو علي، فإن هذه المقولة زَعْم يحتاج إلى دليل، بل الثابت أن عثمان رضي الله عنه كان يثق بعمار و هو الذي أرسله إلى مصر لضبط أمورها. راجع الطبري (4/ 341).

كما وأن التشابه في الكنى لا يجعل من الرجلين شخصية واحدة، كما وأن الظروف التاريخية وطابع كل من الشخصيتين لا تسمحان لنا بقبول هذا الرأي. وإن نظرة واحدة إلى كتب التراجم والرجال لتعطي القارئ فكرة واسعة في سبب قيام علماء الجرح والتعديل بتأليف الكتب التي تحتوي على المتشابه من الأسماء والكنى.

و شيء مهم آخر و هو أن عمار قتل يوم صفين، في حين بقي ابن سبأ إلى بعد مقتل علي رضي الله عنه، فهل بعد هذا يكون عمار بن ياسر هو عبد الله بن سبأ؟!

رابعاً: قالوا: لم يكن لابن سبأ وجود في الحقيقة، و إنما هو شخصية وهمية انتحلها أعداء الشيعة بهدف الطعن في مذهبهم و نسبته إلى رجل يهودي.

الرد: إن هذه دعوى لا تقوم عليها حجة، فكما أنكم ادعيتم هذا، فلغيركم أيضاً أن يدعي ما شاء، لكن العبرة بالحجة والدليل، فزعمكم أن هذه القصة قد اختلقها أهل السنة للتشنيع على الشيعة، ليس لها دليل، و قد كان عليكم قبل أن تلقوا بظلال الشك جزافاً – و ذلك دأبكم – أن تتأكدوا على الأقل من أن هذه القصة لم ينفرد بها أهل السنة فقط، فهذا الزعم باطل لأن مصادر الشيعة هي الأخرى أثبتت – كما سلف – وجود ابن سبأ. و بهذا يسقط اعتراضكم على القصة بزعمكم أنها من مفتريات أهل السنة.

و بعد هذا الذي ذكرت و هذه الشبهات التي أبطلت، أستطيع أن أقول: إن سبب إنكار الشيعة لوجود ابن سبأ إلى عقيدتهم التي بثها و تسربت إلى فرق الشيعة، و هي عقيدة تتنافى مع أصول الإسلام، و تضع القوم موضع الاتهام والشبهة، هذا من جهة، و من جهة أخرى لما للعداء التاريخي في نفوس الشيعة نحو الصحابة، و رغبة لإظهارهم بأنهم هم الذين أثاروا الفتنة بينهم.

و في الختام يتأكد بعد استقراء المصادر سواء القديمة والمتأخرة عند السنة والشيعة أن وجود عبد الله بن سبأ كان وجوداً حقيقياً تؤكده الروايات التاريخية، و تفيض فيه كتب العقائد، و ذكرته كتب الحديث والرجال والأنساب والطبقات و الأدب واللغة، و سار على هذا النهج كثير من المحققين والباحثين المحدثين

دور هذا اليهودي في إشعال نار الفتنة على عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأحب أن أنبه أنه وأثناء الحديث قد لا نتطرق لذكر ابن سبأ في بعض الأحيان، و هذا لا يعني أنه غير موجود أو أنه ليس له دور، بل ثبت بالدليل الصحيح الصريح أن اليد الخفية التي كانت تدير المؤامرة و تحرك الفتنة، هي يد ذلك اليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ، كما وأننا لن نتطرق أيضاً لذكر المآخذ التي أخذت على عثمان بزعم مثيري الفتنة، و ذلك لأنه ليس هذا مجال ذكرها، و لعل الله ييسر لنا كتابتها في مقال مستقل مع التعليق عليها إن شاء الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير