تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و هذا الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعد مصداقاً لما جاء في كتاب السنة لابن أبي عاصم بسند صحيح على شرط الشيخين (2/ 476 - 477)، حيث أخرج من طريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ليحبني قوم حتى يدخلوا النار فيِّ، و ليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي.

وقد علق الشيخ الألباني على هذا الحديث قائلاً: و اعلم أن هذا الحديث موقوف على علي بن أبي طالب، و لكنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من الغيب الذي لا يعرف بالرأي.

و خلاصة ما جاء به ابن سبأ، أنه أتى بمقدمات صادقة و بنى عليها مبادئ فاسدة راجت لدى السذّج

و الغلاة و أصحاب الأهواء من الناس، و قد طرق باب القرآن يتأوّله على زعمه الفاسد، كما سلك طريق القياس الفاسد في ادعاء إثبات الوصية لعلي رضي الله عنه بقوله: إنه كان ألف نبي، و لكل نبي وصي، و كان علي وصي محمد ثم قال: محمد خاتم الأنبياء و علي خاتم الأوصياء. تاريخ الطبري (4/ 340) من طريق سيف بن عمر.

هنا ابن سبأ لما لم يستطع أن يكسب شخصاً واحداً توجه نحو الشام، و كانت الشام وقتها يحكمها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، فلما توجه إليها لم يستطع أن يكسب و لو رجلاً واحداً إلى صفه، فترك الشام و توجه نحو الكوفة و إذ هي تموج بالفتن، و مكاناً خصباً لبث شبهاته. لذلك كان عمر رضي الله عنه ولى عليها المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، حيث كان من أشد الناس ففي أيام عمر ما استطاعت أن تبرز في الكوفة فتنة، و لما تولى عثمان الخلافة عزل المغيرة و عين بدلاً عنه سعيد بن العاص رضي الله عنه وكان من بني أمية، فأهل الكوفة اعتبروا ذلك استغلالاً للمنصب؛ فكثرت الفتن فيها، فعبد الله بن سبأ وجد أرضاً خصبة للفتن، فاستطاع أن يجمع حوله جماعة، ثم انتقل إلى البصرة فجمع فيها جماعة أخرى، و كان عددهم على أقل تقدير عند المؤرخين ستمائة رجل، و أقصاها ألف رجل، ثم انتقل إلى مصر و استطاع أن يجمع ما بين ستمائة إلى الألف من الرجال. انظر: استشهاد عثمان و وقعة الجمل من مرويات سيف بن عمر لخالد الغيث (ص72 - 86)، حيث أجاد الباحث في تحليل الموقف.

و استخدم ابن سبأ كذلك الأعراب، فذهب إليهم و بدأ يثير عندهم الأكاذيب حول عثمان و يستدل على قوله بكتب مزيفة كتبها هو و أعوانه على ألسنة طلحة و الزبير و عائشة، فيها التذمر على سياسة عثمان في الحكم، فصار الأعراب و هم الذين لا يفقهون من دين الله الشيء الكثير، يتأثرون بهذه الأكاذيب و يصدقونها فملئت قلوبهم على عثمان رضي الله عنه. استشهاد عثمان (ص 87 - 99).

بعد ذلك اتجه ابن سبأ إلى هدفه المرسوم، و هو خروج الناس على الخليفة عثمان رضي الله عنه، فصادف ذلك هوى في نفوس بعض القوم فقال لهم: إن عثمان أخذ الأمر بغير حق و هذا وصي الرسول صلى الله عليه وسلم، فانهضوا في هذا الأمر فحركوه، و ابدؤوا بالطعن في أمرائكم و أظهروا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر تستميلوا الناس، و ادعوهم إلى هذا الأمر. تاريخ الطبري (4/ 341)، من طريق سيف بن عمر.

و يظهر من هذا النص الأسلوب الذي اتبعه ابن سبأ، فهو أراد أن يوقع في أعين الناس بين اثنين من الصحابة حيث جعل أحدهما مهضوم الحق و هو علي، و جعل الثاني مغتصباً و هو عثمان.

ثم إنه أخذ يحضّ أتباعه على إرسال الكتب بأخبار سيئة مفجعة عن مِصرهم إلى بقية الأمصار، فيتخيل أهل البصرة مثلاً أن حال أهل مصر أسوأ ما يكون من قبل واليهم، و يتخيل أهل مصر أن حال أهل الكوفة أسوأ ما يكون من قبل واليهم، و كان أهل المدينة يتلقّون الكتب من الأمصار بحالها و سوئها من أتباع ابن سبأ، وهكذا يتخيل الناس في جميع الأمصار أن الحال من السوء مالا مزيد عليه، و المستفيد من هذه الحال هم السبئية، لأن تصديق ذلك من الناس يفيدهم في إشعال شرارة الفتنة داخل المجتمع الإسلامي.

هذا و قد شعر عثمان رضي الله عنه بأن شيئاً ما يحاك في الأمصار و أن الأمة تمخض بشرّ فقال: والله إن رحى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات و لم يحركها. تاريخ الطبري (4/ 343)، من طريق سيف بن عمر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير