روى الترمذي عن ابن عمر قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقال: يقتل هذا فيها مظلوماً - لعثمان بن عفان - صحيح سنن الترمذي (3/ 210) و أنظر: فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/ 451).
و روى الترمذي في سننه (5/ 628) و ابن ماجة عن كعب بن عجرة قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها، فمر رجل مقنع رأسه فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يومئذ على الحق، فوثبت فأخذت بضبعي عثمان ثم استقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذا؟ قال: هذا. المسند (4/ 242) و صحيح ابن ماجة (1/ 24 - 25) و صحيح سنن الترمذي (3/ 210) و فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/ 450).
و الذي حصل أن أهل الفتنة أخذوا يتراسلون فيما بينهم، فلما رأوا أن عددهم قد كثر تواعدوا على أن يلتقوا عند المدينة في شوال من سنة (35هـ) في صفة الحجاج، فخرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء المقلّل يقول ستمائة و المكثر يقول ألف .. و لم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب، و إنما خرجوا كالحجاج و معهم ابن السوداء .. و خرج أهل الكوفة في عدد كعدد أهل مصر، و كذا أهل البصرة، و لما اقتربوا من المدينة شرعوا في تنفيذ مرحلة أخرى من خطتهم، فقد اتفق أمرهم أن يبعثوا اثنين منهم ليطلعا على أخبار المدينة و يعرفا أحوال أهلها، ذهب الرجلان فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم و علياً و طلحة و الزبير، و قالا: إنما جئنا نستعفي عثمان من بعض عمالنا، و استأذنا لرفاقهم بالدخول، فأبى الصحابة، و قال علي رضي الله عنه: لا آمركم بالإقدام على عثمان فإن أبيتم فبيض سيفرخ. الطبري (4/ 349 - 350)، من طريق سيف بن عمر.
تظاهر القوم بالرجوع و هم يبطنون أمراً لا يعلمه الناس، فوصلت الأنباء إلى أهل المدينة بانصراف أهل الفتنة فهدأ الناس، و في الليل فوجئ أهل المدينة بأهل الفتنة يدخلون المدينة من كل مكان فتجمعوا في الشوارع و هم يكبرون، فجاء علي بن أبي طالب و قال: ما شأنكم؟ لماذا عدتم؟ فرد عليه الغافقي بأن عثمان غدر بهم، قال كيف؟ قال: قبضنا على رسول و معه كتاب من عثمان يأمر فيه الأمراء بقتلنا، فقال علي لأهل الكوفة و البصرة: و كيف علمتم بما لقي أهل مصر و قد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا، هذا والله أمر أبرم بالمدينة، و كان أمر الكتاب الذي زوّر على لسان عثمان رضي الله عنه اتخذوه ذريعة ليستحلوا دمه و يحاصروه في داره إلى أن قتلوه رضي الله عنه.
و فوق هذا كله فالثائرون يفصحون عن هدفهم ويقولون: ضعوه على ما شئتم، لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا و نحن نعتزله. الطبري (4/ 351)، من طريق سيف بن عمر.
و علاوة على ذلك هناك ما يؤكد تزوير هذا الكتاب، إذ ليس هو الكتاب الوحيد الذي يزوّر على لسان الصحابة، فهذه عائشة رضي الله عنها، تُتهم بأنها كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان فتنفي
و تقول: لا والذي آمن به المؤمنون و كفر به الكافرون ما كتبت لهم سواداً في بياض حتى جلست مجلسي هذا. البداية والنهاية (7/ 195) و انظر ما رواه الطبري من استنكار كبار الصحابة أنفسهم لهذه الكتب في أصح الروايات (4/ 355).
و ما تلك اليد الخفية التي كانت تخط وراء الستار لتوقع الفرقة بين المسلمين، و تضع في سبيل ذلك الكتب على لسان الصحابة و تدبر مكيدة الكتاب المرسل إلى عامل عثمان على مصر، و تستغل الأمور لتقع الفتنة بالفعل إلا يد ذلك اليهودي الخبيث و أتباعه، فهم المحركون للفتنة.
توقفنا في المرة السابقة عند رجوع الوفد المصري بعد أن زعم أنه قبض على رسول من عثمان إلى عامله في مصر يأمره بقتلهم، و عرفنا أن هذا الكتاب ليس هو الوحيد الذي زور على عثمان، و ظهرت حقيقة اليد التي زورت و خططت، واليوم إن شاء الله نكمل الموضوع الذي بدأناه.
هنا استشار عثمان كبار الصحابة في أمر التخلي عن الخلافة لتهدأ الفتنة، و كان المغيرة بن الأخنس قد أشار عليه بالخلع لئلا يقتله الخارجون عليه، و قد سأل عثمان ابن عمر عن رأي المغيرة فنصحه بأن لا يخلع نفسه و قال له: فلا أرى لك أن تخلع قميصاً قمصكه الله فتكون سنة كلما كره قوم خليفتهم أو أميرهم قتلوه. طبقات ابن سعد (3/ 66) بإسناد صحيح و رجاله رجال الشيخين، و تاريخ خليفة (ص170) بإسناد حسن.
¥