تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و هناك بعض الروايات تفيد أن عثمان رضي الله عنه أرسل إلى الأمصار يطلب منهم العون بعد أن اشتد عليه التضييق و الحصار، و هذا الخبر لا يصح منه شيء، لأن منهج عثمان رضي الله عنه كان الصبر و الكف عن القتال امتثالاً لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم له، و ذلك لحديث عائشة رضي الله عنها كما عند ابن أبي عاصم في السنة (2/ 561) قالت: لما كان يوم الدار قيل لعثمان: ألا تقاتل؟ قال: قد عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهد سأصبر عليه، قالت عائشة: فكنا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليه فيما يكون من أمره.

لهذا وضع مصلحة الرعية في المقام الأول، فعندما عرض عليه معاوية أن يبعث إليه بجيش يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة أو إياه قال رضي الله عنه: أنا لا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرزاق بجند يساكنهم، و أضيّق على أهل الهجرة و النصرة، فقال له معاوية: والله يا أمير المؤمنين لتغتالنّ أو لتغزينّ، فقال عثمان: حسبي الله ونعم الوكيل. الطبري (4/ 345). و حوصر عثمان بعدها في داره.

يقول ابن خلدون: إن الأمر في أوله خلافة، و وازع كل أحد فيها من نفسه هو الدين و كانوا يؤثرونه على أمور دنياهم وإن أفضت إلى هلاكهم وحدهم دون الكافة، فهذا عثمان لما حصر في داره جاءه الحسن

و الحسين و عبد الله بن عمر و ابن جعفر و أمثالهم يريدون المدافعة عنه، فأبى و منع سلّ السيوف بين المسلمين مخافة الفرقة، و حفظاً للألفة التي بها حفظ الكلمة و لو أدّى إلى هلاكه. مقدمة ابن خلدون (ص207 - 208).

و إلى جانب صبره و احتسابه و حفظاً لكيان الأمة من التمزق و الضياع وقف عثمان رضي الله عنه موقفاً آخر أشد صلابة، و هو عدم إجابته الخارجين إلى خلع نفسه من الخلافة؛ فلو أجابهم إلى ما يريدون لسنّ بذلك سنّة، و هي كلما كره قوم أميرهم خلعوه، و مما لاشك فيه أن هذا الصنيع من عثمان كان أعظم

و أقوى ما يستطيع أن يفعله، إذ لجأ إلى أهون الشرين و أخف الضررين ليدعم بهذا الفداء نظام الخلافة.

كان الخارجون عليه يطلبون منه ثلاثة أمور كما جاء ذلك عند ابن سعد في الطبقات (3/ 72 - 73)، قال عثمان للأشتر: يا أشتر ما يريد الناس مني؟ قال: ثلاث ليس لك من إحداهن بدّ، قال: ما هن؟ قال: يخيرونك بين أن تخلع لهم أمرهم، فتقول هذا أمركم فاختاروا من شئتم، و بين أن تقصّ من نفسك، فإن أبيت هاتين فإن القوم قاتلوك. قال: أما ما من إحداهن بدّ؟ قال: لا، ما من إحداهن بدّ. قال: أما أن أخلع لهم أمرهم، والله لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إليّ من أن أخلع أمة محمد بعضها على بعض، و أما أن أقص من نفسي فوالله لقد علمت أن صاحبي بين يديّ قد كان يعاقبان و ما يقوم بدّ من القصاص، و أما أن تقتلوني فوالله لئن قتلتموني لا تحابّون بعدي أبداً و لا تصلون بعدي جميعاً أبداً و لا تقاتلون بعدي عدواً جميعاً أبداً.

و لهذا احتج عثمان رضي الله عنه على المحاصرين بقوله: إن وجدتم في كتاب الله - و في رواية - في الحق أن تضعوا رجليَّ في قيد فضعوها. تاريخ خليفة (ص171) و أحمد في فضائل الصحابة (1/ 492) قال المحقق: إسناده صحيح، و انظر: الطبقات (3/ 69 - 70) بلفظ قريب.

و أخرج أحمد في فضائل الصحابة (1/ 464) و في المسند (1/ 63) و الترمذي في السنن (4/ 460 - 461) و ابن ماجة في السنن (2/ 847) و أبو داود في سننه (4/ 640 - 641) بإسناد حسن أن عثمان رضي الله عنه أشرف على الذين حصروه فقال: علام تقتلوني! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم، أو قتل عمداً فعليه القود، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل. فوالله ما زنيت في جاهلية و لا إسلام، ولا قتلت أحداً فأقيد نفسي منه، ولا ارتدت منذ أسلمت و إني اشهد ألا إله إلا الله و أن محمداً عبده و رسوله ففيما تقتلوني؟!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير